أقلام الثبات
لم يعد هناك أي فرصة أمام فرنسا لإنقاذ أي شئ في صفقة القرن العسكرية الفاشلة مع استراليا التي كانت تقضي بتسليم استراليا 12غواصة مقابل 50مليار دولار، بعد طعنة الولايات المتحدة وبريطانيا لها، وتحويل مسار الصفقة إلى الانجلوسكسون بدل فرنسا، بعد ان ظلت فرنسا منذ 2016 تتفاوض مع استراليا بخصوص تلك الصفقة على أمل ان تنعش تلك الصفقة التاريخية خزينة الاقتصاد والجيش الفرنسي معا.
وحتى محاولات إنشاء كيان أوروبي مستقل عن الاطلسي، التي عاود الفرنسي ذكرها كردة فعل على غدر غرب الاطلسي له، فهي ستموت قبل ان تولد كسابقتها، فمصالح أبرز دول القارة العجوز فرنسا والمانيا واسبانيا واليونان متضاربة تماما فيما بينهم تجاه كل الملفات الخارجية.
ولم يعد أمام باريس الأن إلا الإستفاقة السريعة من الصدمة، كي لا تتلقى صدمة مماثلة على أرض حليفها التاريخي في افريقيا ومستعمراتها القديمة الجديدة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا كحال مالي، بعد ان اقترب المجلس العسكري الحاكم في دولة مالي من توقيع اتفاق مع مجموعة “فاجنر” الروسية، لنشر قوات روسية في البلاد التي تنشر فيها فرنسا آلاف الجنود، وهو ما أزعج فرنسا بشدة.
فقد صرحت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي أمام لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى في البرلمان)، قائلة: "إن الوضع سيكون مقلقا للغاية في حال وقعت مالي اتفاقا مع مجموعة “فاجنر” الروسية بشأن إرسال عناصرها إلى أراضيها، فمثل هذا الاتفاق لن يكون مقلقا للغاية فحسب، بل سيجعل كل ما أنجزناه على مر السنين وخططنا له من أجل دعم دول الساحل الإفريقي بلا معنى."
وبالتزامن صرح وزير الخارجية الفرنسي أيف لودريان في حديثه أمام لجنة الشؤون الخارجية، إن وجود قوات “فاجنر” في مالي يتعارض مع الوجود الفرنسي في المنطقة تماما.
والأن بات الشغل الشاغل لباريس هو صد ردة فعل الروس الإنتقامية التي ستنفذها في أبرز وأهم نقاط التواجد الفرنسي في افريقيا دولة مالي، ردا لما فعلته فرنسا في تشاد بتصفية رئيسها إدريس ديبي في إبريل / نيسان الماضي ثم الإنقلاب على ألفا كوندي رئيس غينيا مؤخرا، وكلاهما أتجهت بوصلتهما في أيامهما الأخيرة نحو موسكو لا إلى باريس.
ولا نستبعد حضور “الفاجنر” الروسي في مالي وايضاتعزيز تواجده في ليبيا مستقبلا، فالمشهد الليبي اليوم يبدو فيه أن تركيا أكثر مرونة في سحب جنودها النظاميين ومرتزقتها من ليبيا أكثر من روسيا، وهذا لأن تركيا وصلت الى مراحل متقدمة في التفاهمات مع خصومها بالميدان الليبي، بينما روسيا التي تبدو أكثر تعنتا في سحب “الفاجنر” من ليبيا لم تصل لتلك المرحلة التي تضمن لها الخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب في ليبيا، وهنا ربما تخير موسكو خصومها في ليبيا بين بقاء “الفاجنر” في الحقول النفطية الليبية أو الانتشار في مالي البوابة الخلفية لدول المغرب العربي، وأبرز نقطة للحضور الفرنسي في افريقيا.
خلاصة القول فرنسا لن تتحمل صدمتن بذلك الحجم في غضون أيام قليلة، فشل صفقة السفن الاسترالية تتجاوز قيمته 50مليار دولار لصالح الولايات المتحدة ، وبريطانيا التي طعنتها بخروجها من الإتحاد الأوروبي بعد ثلاثة أعوام من المفاوضات بين استراليا وفرنسا، كي يتم توقيع الاتفاق بينهم في فبراير/ شباط 2019، ثم توقيع المجلس العسكري في مالي أتفاق مع “الفاجنر” الروسي لنشر عناصره في البلاد، وبكل تأكيد ستبذل فرنسا كل مساعيها الدبلوماسية وغير الديبلوماسية من أجل منع وصول الروس الى مالي، التي تمثل لفرنسا نقطة متقدمة لمواجهة كل التنظيمات الإرهابية والأصولية في أفريقيا، وبات من المرجح ان الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد جولات طاحنة بين فرنسا وروسيا والصين والولايات المتحدة وان كان مع كل واحدة منهم على حدا في أفريقيا، من الصومال (التي تشهد الان إضطرابات ممنهجة) شرقا الى مالي والسنغال غربا.