أقلام الثبات
توقع كثيرون في لبنان أن تشهد ذكرى الرابع من آب، أحداثًا كبيرة منها إقفال طرقات، وتحركات باتجاه مؤسسات الدولة واحتلالها، وباتجاه منازل السياسيين، لإظهار الغضب في الشارع، والذي من المفترض بحسب المنظمين، أن يجرف السلطة السياسية التي تتعامى عن صرخات الأهالي ووجعهم، وتضرب بعرض الحائط كل مطالباتهم بالعدالة والمساءلة، لكن، المشكلة أن الذكرى تمّ تشويهها، بعد أن ساد الاقتتال في الشارع بين المجموعات أنفسهم، وتباينت أهدافهم. وفي مراجعة نقدية لمسار الاحداث في تلك الذكرى، نجد ما يلي:
- بعض القوى اليسارية، وبالتحديد الحزب الشيوعي الذي كان مشاركاً في معظم التظاهرات منذ 17 تشرين الأول، كان يريد أن يدفع عن نفسه تهمة الانخراط مع بعض القوى الأخرى التي لا تشبه مساره التاريخي ومبادئه، فحاولوا استخدام شعارات سياسية ضد ما اصطلحوا على تسميته بـ "القوى الانعزالية" وأهمها القوات اللبنانية، الأمر الذي ساهم بالاقتتال في الجميزة.
- أما "القوات اللبنانية"، التي انخرطت بقوة في التظاهرات في الشارع منذ 17 تشرين الاول 2019، عبر محازبيها بطريقة مباشرة، أو عبر أسماء جمعيات ومنظمات مدنية يترأسها قواتيون، وكانت تشكّل غطاءً للتمويل والتنظيم والبروباغندا الاعلامية حيث لم يكن يفيد الشعار الحزبي المباشر.
وتشير العديد من منظمات المجتمع المدني، الى أن ممارسات القوات ونزولهم الى الشارع بشعارات حزبية، وقيامهم بالاعتداء على أهالي الضحايا أمام المرفأ، ثم اشتباكهم مع "الشيوعي"، واستعمال الهراوات والعصي والسكاكين، وعودة الحديث عن مناطق "شرقية" تحميها "قوى مسيحية" وتحتكرها، أضرّ بالتظاهرات وبالقوى التي تشكّل عصب 17 تشرين، واستفادت منه الطبقة السياسية.
- لم يكن للتحركات والاشتباكات التي قامت بها بعض القوى المشاركة، وتوجهها الى المؤسسات العامة أي مغزى فعلي مرتبط بالمناسبة الأليمة. فاقتحام وزارة الاقتصاد ونهب محتوياتها لا يعني أي شيء بالنسبة لضحايا الانفجار وعائلاتهم، الذين يطلبون العدالة والمساءلة، وبالتالي فإن الحراك "الهزيل" أمام مجلس النواب كان يعني أكثر بكثير من اقتحام وزارة الاقتصاد وشركة الكهرباء، باعتبار أن المجلس متهم من قبل أهالي الضحايا بأنه يحاول طمس الحقيقة عبر الامتناع عن رفع الحصانات، ثم عبر توقيع عريضة نيابية تهدف الى تحويل القضية الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، الذي لم يبصر النور بعد.
وفي هذا الإطار، نشير الى أن المادة 80 من الدستور تنص على أنه “يتألف المجلس الأعلى، ومهمته محاكمة الرؤساء والوزراء، من سبعة نواب وثمانية قضاة من أعلى القضاة رتبة حسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار الأقدمية إذا تساوت درجاتهم ويجتمعون تحت رئاسة أرفع هؤلاء القضاة رتبة، وتصدر قرارات التجريم من المجلس الأعلى بغالبية عشرة أصوات، وتحدد أصول المحاكمات لديه بموجب قانون خاص”.
من جهة ثانية، فإن عبارة “لمجلس النواب أن يتهم” تدل على أن المجلس يتمتع بصلاحية استنسابية في توجيه الإتهام أو عدمه، وهو يمارسها في ضوء تقديره لأعمال الوزير والظروف المحيطة بها. كما يتطلب صدور قرار الاتهام من المجلس النيابي غالبية الثلثين من مجموع أعضائه، أي أن هذا الاتهام يحتاج الى توافق شامل بين الكتل النيابية وتسويات تشبه الى حدٍ بعيد التسوية التي تعقد لانتخاب رئيس الجمهورية، وهذا ما سيدفن العدالة بشكل تام.