غابات عكار والهرمل ألتهمتها مافيا النيران ـ أحمد زين الدين

السبت 31 تموز , 2021 11:26 توقيت بيروت أقلام الثبات

مافيات الحطب والفحم والكسارات: هل تجدد شبابها؟

أقلام الثبات

حرائق لبنان تمتد على مد البصر، فتلتهم بساطه الأخضر وتقضي على رئته، وكل الدولة والبلديات والناس يقفون عاجزين أمام ألسنة اللهب التي تمتد وتتوسع وتكاد تصل إلى بيوت الناس، وهي وصلت فعلاً إلى العديد منها.
من جبال وسفوح لبنان الشمالي إلى جبل لبنان وأقليمه وإلى البقاع وجرود الهرمل وإلى وإلى.. تتسع ألسنة النار في أخضر الوطن.
السبب الظاهر، كما أشير في مختلف وسائل الإعلام، هو ارتفاع درجات الحرارة... لكن ذلك ليس مقنعاً، ولا مبرراً.
ففي سالف العصر والزمان، كان أهلنا وأجدادنا يطلقون على كل شهر من أشهر السنة الأمثلة التي ما تزال سارية حتى الآن، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "في تموز بتغلي المي في الكوز"، "أب اللهاب"، "في أيار ضهر بقراتك من الدار".
كما كان الأجداد يؤرخون أفراحهم وأتراحهم ومناسباتهم بأزمنة العوامل الطبيعية، وبهذا كثيرون كانوا لا يعلمون تواريخهم بدقة حيث كان يقال على سبيل المثال: "ولد فلان بسنة الثلجة" أو "سنة الزلزال"، أو في "سنة الجراد"، أو "سنة التشويبة" وهلم جرا.


مع ذلك، كانت مساحة البساط الأخضر أوسع، وغابات السنديان، والصنوبر، واللزاب والشوح والشربين وكل أنواع الأشجار تغطي معظم المساحات، وكانت لمعظم القرى اللبنانية بساتينها وأحراجها.. لكن لم يشهد الوطن الصغير هذه الحرائق المتسلسلة التي يكون لها في كل مرة نتائجها المدمرة على بيئته وجغرافيته، سواء لزيادة مساحات الإسمنت والأبنية، من دون أي تخطيط مدني أو مستقبلي، أو من أجل كسارة هنا، ومفحمة هناك.
والبدايات الأولى للحرائق في لبنان، كانت مع اغتصاب فلسطين في أيار 1948، حيث بدأت الحرائق في السهول والمرتفعات الحدودية الجنوبية، فكان العدو كما تؤكد "يوميات العدوان" على لبنان يشعل الحرائق في سهول المزروعات والحشائش، والغابات، وبهذا للذين "يرون العجب" في اخضرار الجانب الفلسطيني المحتل، مقابل الأراضي الجرداء عندنا، نشير إلى أن ذلك جزء من النهج العدواني للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
أما الحرائق الواسعة في لبنان مع بداية الألفية الثالثة في بلدنا المعذب، فإننا نضع أمامها مئات علامات الاستفهام!؟
هكذا في كل سنة بعد "اتفاق الطائف" الذي أوقفت الحرب الأهلية (1975-1990) والرصاص والقذائف والموت المجاني، أطلق العنان لالتهام الطبيعة والبيئة، فما عاد الساحل اللبناني، ذاك الشاطئ الذهبي الذي كتبت عنه صحف العالم كأجمل شواطئ الدنيا، فغزته جحافل المنتجات والمجمعات وردم معظمه، وطارت المشاعات وتوسعت كتل الاسمنت، وصار الصيف، مواسم لحرائق الأشجار والغابات، فتوسعت المفاحم، والمشاريع العقارية، وأمام صرخات الناس، ثم شراء أو استحضار طائرات سيكورسكي التي كان حضورها كغيابها، وبالتالي لم تتم صيانتها، "فكربجت" وتعطلت، واللافت كان ماجاء في الجريدة الرسمية العدد 24 في 17/6/2021، من خلال إعلان لوزارة الدفاع عن مزايدة عامة لبيع ثلاث طوافات نوع "سيكورسكي" مع قطع بدل عائدة لها، وفعلاً فقد تم بيع هذه الطائرات بتاريخ 12 تموز 2021.
حتى حراس الأحراج الذين يطلق عليهم "مأموري أحراج" خضعت لمعادلة 6 و 6 مكرر والمناصفة وهلم جرا فتراجع عديدهم وقل.
ترى مع الحرائق الواسعة التي شهدتها غابات لبنان الشمالي حتى جرود الهرمل، والعجز الفاضح عن مكافحتها بفاعلية، دعونا نتساءل:
هل سنكون في المرحلة المقبلة أمام مافيات جديدة، أو مافيات تجدد شبابها، فالصخور في جبالنا متميزة بأنها تنتج رخاماً ممتازاً، بالإضافة إلى الحاجة المتزايدة للبحص والرمل، فهل سنكون أمام مافيا الكسارات؟.
هل سنكون أمام مافيا الحطب والفحم... ؟
دعونا نسأل: هل سنرى عشائر الهرمل تتحرك لتحمي جرودها وغاباتها؟ وكذلك العكاريون الأصلاء.
ثروة حرجية نادرة من السنديان المعمر وأشجار اللزاب النادرة والصنوبر والشربين وغيرها ... صارت ذات شرارة تموزية رماداً.
ربما كان الشاعر الفرنسي لامارتين (1790-1869) تبكي بقايا عظامه في قبره، وهو الذي دهش بلبنان وبيروته وجباله وأشجاره وأطلق اسمه على "وادي لامارتين". وهو يقول:
"... بيروت من المدن السوريّة الآهلة بالسكان،وقد عرفت عند الأقدمين باسم (بيريت) وأصبحت على عهد أغسطس مستعمرة رومانيّة، وأطلق عليه الفاتح الروماني اسم جوليا فيلكس (السعيدة) وقد مُيزت بهذه الصفة لخصب ضواحيها وفخامة موقعها وجمال جوها العديم المثال، والمدينة اليوم قائمة على رابية جميلة تنحدر شيئاً فشيئاً إلى البحر وقد قامت فيه بعض صخورها فرفعت عليها الحصون التركيّة.
أما ميناؤها فهو كناية عن لسان أرضيّ يمتد في البحر ويقي البواخر من الرياح الشرقيّة وكل هذه البقعة وما حولها مكللة بخضرة جميلة، وترى أغراس التوت قائمة على مدرَّجات من الأرض. وشجر الخرنوب والتين والدلب والبرتقال والرمان تلقي ظل أوراقها المختلفة الألوان على تلك الأنحاء، ووراءها الزيتون ذو الورق الرمادي، يزركش هذا المنظر الأخضر البديع ... وعلى مسافة ميل من المدينة إنتصبت سلسلة جبل لبنان وفيها الأخاديد التي يضيع فيها النظر وتنحدر في طياتها مجاري المياه إلى صور وصيدا ... واللاذقيّة".
يضيف: "وقمم تلك الجبال المتفاوتة العلو في السحب البيضاء تسطع من انعكاس أشعة الشمس فتشبه جبال الألب بثلوجها" .
ولنردد مع لامارتين أيضاً أخيراً:
"ها هي الريح هبت ردد الوادي صداها كالأنين هام طير السنونو وحيداً فوق وجه الغدير أيقظ الماء من نومه حين لامس ريشه وجهه الحالم"
كان عنوان هذه القصيدة من مطولة للامارتين "ذكرى الأموات"...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل