الثبات - إسلاميات
أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الحج عرفة؛ يعني من فاته الوقوف في عرفة فاته الحج، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: ((شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ نَاسٌ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الْحَجِّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّه))، وكذلك هناك ركن آخر لاسيما عند السادة الأحناف وهو طواف الحج أو طواف الزيارة، وهما ركنا الحج، ولكن إذا فات يوم عرفة فلا يوجد يوم يعوضه، وبالتالي تعيد فريضة الحج، وقدسية عرفة في هذا اليوم، وهذه إشارة إلى ضرورة استغلال الأوقات والأماكن بوقتها دون تأجيل، وإن أجلت فاتت، وإن فاتت انتظرتها حتى تتسنى لك مرة ثانية، وقد ورد في ديوان الإمام علي رضي الله عنه:
إِذا هَبَّت رِياحُكَ فَاِغتَنِمها فَعُقبى كُلُّ خافِقَةٍ سُكونُ
وَلا تَغفَل عَنِ الإِحسانِ فيها فَما تَدري السُكونُ مَتى يَكونُ
وَإِن دَرَّت نِياقُكَ فَاِحتَلِبها فَما تَدري الفَصيلُ لِمَن يَكونُ
إِذا ظَفِرَت يَداكَ فَلا تَقصِّر فَإِنَّ الدَهرَ عادَتَهُ يَخونُ
ينبغي أن نستفيد من الوقت، هذا العمر أمانة في أعناقنا، وإننا سنسأل عليه يوم البعث، وهذا ما روي عن ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لاَ تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ))، نستفيد من شبابنا قبل أن يأتي يوم ونقول به ليت وليت.
مزدلفة: سميت بذلك لقربها من منى، يبيت الحاج فيها مفترشاً الرمال، وملتحفاً السماء، إلا من كان معه شيء من وسائل الراحة، وهي قريبة أيضاً من رمي الجمرات، وما بين مزدلفة ومنى أهلك الله أصحاب الفيل، يأتي الحاج من عرفة متعباً على الرغم من وجود وسائل الراحة فينام قليلاً ثم يستيقظ متابعاً تلبية نداء ربه، وله أن يرتاح قليلاً ثم يصلي المغرب والعشاء جمع تأخير، ويجمع الحصا ليرمي جمرة العقبة، ولا يشترط أن تكون الجمرات من مزدلفة، ويبقى في منى إلى أذان الفجر، فإن أذن صلى الفجر بغلس –أي دون أن ينتظر انفراج الصبح- ثم يتوجه نحو الجمرة الكبرى لرمي الحصا، وهذه الجمرة تجيز له التحلل بعدها، وله أن يحلق ويلبس المخيط، وينحر وإن لم يستطع يأخر النحر ليطوف طواف الإفاضة، أو أن يبقى في منى، وأغلب الحجيج اليوم يسكنون العزيزية؛ لأنها قريبة جداً من منى؛ وللمبيت فيها، فالمبيت فيها واجب عن السادة الأحناف وأقله لنصف الليل، أما السادة الشافعية فذهبوا إلى ما بعد النصف من الليل.
من كل هذا نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا أعيادنا بعد أداء عبادة من العبادات بشرط أن تكون مخصوصة الزمان، وعندما كان شهر رمضان مخصوص الزمان كان العيد في أول شهر شوال، وكذلك عندما كانت العبادة والحج يوم التاسع كان العيد يوم العاشر من ذي الحجة؛ لأنّ الذي يفرح يفرح بقربه من الله تبارك وتعالى يدخل في سرور وحبور لاتمام طاعة أمره الله تبارك وتعالى بها، أمّا الزكاة مثلاً فهي غير محدودة الزمان وكذلك باقي العبادات الأخرى.