هذا ما أثبتته السنوات الأربعون من تاريخ لبنان والمنطقة

الإثنين 05 تموز , 2021 01:11 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

أربعة من الأحداث المهمة، التي تابعتها في حياتي المهنية، كانت في لبنان، حيث كنت شاهداً على حربه الأهلية لفترات متقطّعة بين عامَيْ 1981 و1982. كان الحدث الأول هو ما رأيته مساء يوم 19 أيلول/سبتمبر 1982، من مشاهد مروِّعة في مخيمَي صبرا وشاتيلا، حيث المجازر الوحشية التي نفّذتها عصابات حزب الكتائب اللبنانية، بقيادة إيلي حبيقة، وبدعم من قوّات المجرم شارون، التي كانت تحاصر بيروت آنذاك.

أمّا الحدث الثاني، فكان انتصار المقاومة اللبنانية، في جميع أشكالها وفصائلها، على الاحتلال الصهيوني وإجباره على الانسحاب من الجنوب اللبناني في 25 أيار/مايو 2000، انتقاماً لشهداء صبرا وشاتيلا. وكنت أغطي آنذاك هذا الحدث باسم قناة "سي أن أن" التركية، عندما توجَّه الشعب اللبناني بأكمله إلى الجنوب في تظاهرات وطنية عارمة تقشعرّ لها أبدان الشرفاء. فلقد انتصرت المقاومة على الجيش الإسرائيلي وعملائه، من العصابات بزعامة أنطوان لحد، والذين تآمروا على وطنهم لبنان ثم هربوا إلى "إسرائيل". وهذه هي حال خمسين ألفاً من الأفغان، الذين تعاونوا بدورهم مع المحتلّين خلال السنوات العشرين الماضية، وهم الآن في طريقهم إلى أميركا. وكنت التقيت، خلال وجودي في بيروت، الرئيسَ السابق إميل لحود ورئيس الوزراء السابق سليم الحص وسماحة السيد محمد حسين فضل الله، رحمه الله، والشيخ نعيم قاسم، وأخيراً وليد جنبلاط، الذي كان آنذاك "وفياً صادقاً لحزب الله وسوريا"، والقول له.

بعد عامين من هذا الحدث اتَّفقت الأنظمة العربية المعروفة، في ما بينها، على رفع معنويات كيان الاحتلال والتخفيف عنه مرارة الهزيمة في لبنان. فانعقدت القمة العربية في بيروت في 27 آذار/مارس 2002، بمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان المدافع شبه الوحيد عن المقاومة اللبنانية والقضية الفلسطينية. وأقرّت القمة، نتيجةَ ضغوط أميركية، مبادرةَ وليّ العهد السعودي عبد الله بن عبدالعزيز، التي تضمّنت اعترافاً عربياً بـ"إسرائيل" في مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة، وهو ما رفضه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون فوراً، لأنه كان يعرف حجم الخيانة والعمالة للأنظمة العربية، التي استمرّت في تآمرها على القضية الفلسطينية وكل القضايا العربية، وتمادت فيه. 

كنت شاهداً على هذه القمة التي أرادت واشنطن أن تكون امتداداً لـ"كامب ديفيد" و"أوسلو"، إلاّ أنها فشلت. ثم جاء الغزو الأميركي للعراق، وما تلاه من تطورات مثيرة في المنطقة، أهمها الإعلان رسمياً عن مشروع الشرق الأوسط الكبير، في حزيران/يونيو 2004، ثم إجبار سوريا على سحب قواتها من لبنان، وفق القرار ذي الرقم 1559، والصادر عن مجلس الأمن في أيلول/سبتمبر 2004، واغتيال رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005، وأخيراً عودة بندر بن سلطان من واشنطن إلى الرياض بعد أن كان سفيراً فيها لمدة 22 عاماً، فأصبح رئيساً لمجلس الأمن القومي السعودي، المعروف بتاريخه التآمري الأَسود على المنطقة، ليكون ذلك بداية التحضير للعدوان الإسرائيلي على لبنان في 12 تموز/يوليو 2006. وهذا هو الحدث الرابع الذي تابعته، بَدءاً من الساعات الأولى لهذه الحرب، التي غطّيت أخبارها مدةَ ثلاثة عشر يوماً. 

كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلّق في الأجواء اللبنانية بكثافة عندما كنت في طريقي من دمشق إلى بيروت صباح اليوم التالي، بحيث تعرَّض مطار بيروت لقصف عنيف. وأثبتت التطورات اللاحقة أن "إسرائيل" كانت قد خطَّطت لهذا العدوان منذ فترة طويلة، ولم تكن في حاجة إلى مبرِّر كحادث اختطاف الجنديَّين الإسرائيليين، ومقتل ثمانية آخرين من عساكرها على أيدي مقاتلي حزب الله، الذي كان، وما زال، الهدف الرئيسي للكيان الصهيوني ومَن معه من العملاء المحلِّيّين والأنظمة المتآمرة والدول الامبريالية الاستعمارية. 

ويفسّر ذلك الموقف السلبي آنذاك لرئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، وموقف الجامعة العربية التي حمّلت، بتعليمات مصرية وسعودية وأردنية، حزبَ الله مسؤوليةَ العدوان الإسرائيلي. ووصف بيان الجامعة عملية أَسر الجنود الإسرائيليين وقتلهم بأنها "أفعال غير لائقة، وغير مسؤولة، واستفزازية"، على حدّ قول وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل. وردّت المقاومة عليه وعلى المتآمرين أمثاله، من خلال انتصارها على "إسرائيل" التي هُزِمت لأول مرة على الرغم من الدعم الكبير الذي حصلت عليه من أميركا وأوروبا وحلفائها، إقليمياً ودولياً. لقد أسقط مقاتلو حزب الله أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، بعد أن قتلوا وجرحوا المئات من جنود الاحتلال الإسرائيلي، وفضحوا أكذوبة دبابات ميركافا، عندما دمّروا العشرات منها، ثم استهدفوا بصواريخهم المدمِّرةَ الإسرائيلية "ساعر" قبالة بيروت، وهو ما أعلنه السيد حسن نصر الله مسبّقاً. 

أثبتت حرب تموز/يوليو تفوّق مقاتلي حزب الله، معنوياً وعسكرياً، بحيث وصلت صواريخهم إلى "العمق الإسرائيلي" باعتراف جنرالات جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذين لم يُخفوا قلقهم من نقل هذه الصواريخ إلى "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وسائر الفصائل الفلسطينية المقاوِمة في غزة، بعد أن أصبحت أكثر دقة، والقول للسيد حسن نصر الله. وكان انتصار المقاومة سبباً كافياً في تضامن شعبيّ مع حزب الله والسيد حسن نصر الله، عربياً وإسلامياً ودولياً، فجُنَّ جنون الأعداء، فراحوا يخطّطون لحرب، بل لحروب انتقامية جديدة، وخصوصاً بعد أن تصدَّت سوريا لكل الضغوط الغربية، واستمرّت في دعم الفصائل الفلسطينية، ورفضت نزع سلاح المقاومة في لبنان، ووقفت إلى جانب المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي. 

وضع ذلك واشنطن و"تل أبيب" ـ ومن معهما ـ أمام مأزق أخطر مما كانتا فيه قبل حرب تموز/يوليو، التي عزَّزت في الوقت نفسه موقف إيران. لقد استمرت طهران في برنامجها النووي، فأجبرت العواصم الغربية على التوقيع على الاتفاق النووي معها عام 2015، من دون أن تقدّم أيّ تنازلات في سياستها الإقليمية، فاستمرّت في تقديم كل أنواع الدعم إلى سوريا واليمن ولبنان، وإلى كل من يحتاج إلى هذا الدعم، ضد المؤامرة الكبرى التي سُمّيت "الربيع العربي". 

لقد أرادت أميركا لهذا "الربيع" أن يساعدها على تنفيذ مشاريعها الكبرى، خدمةً للحليف الاستراتيجي الأوحد، ألا وهو "إسرائيل"، التي كانت الأنظمة المتآمرة وأذيالها في خدمتها دائماً، وما زالت. كما أرادت واشنطن لهذا "الربيع" أن يساعدها على التعويض عن هزائمها التي مُنيت بها طوال السنوات الأربعين الأخيرة على يد المقاومة الإسلامية، وكان درسها الأول يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر 1983، عندما اقتحم أحد شبّان المقاومة بشاحنته ثكنة عسكرية في بيروت، فقتل 241 من القوات الأميركية، بينما اقتحم شاب آخر ثكنة أخرى قريبة منها، فقتل 58 من المظليّين الفرنسيين. 

كان ذلك بداية النضال الوطني العربي الإسلامي، والذي كان، وما زال، الهمّ الوحيد لأميركا و"إسرائيل" ومَن معهما من الأنظمة والقوى العميلة، التي أثبتت معاً أن الخيانة بالنسبة إليها حالةٌ جينية مستعصية، لا علاج لها أبداً.

يفسّر كل ذلك الحرب الكونية التي استهدفت سوريا خلال السنوات العشر الماضية، وكان الهدف منها تدمير هذا البلد العربي، كي لا يكون، ومعه إيران وكل شرفاء المنطقة والعالم، سنداً للمقاومة، مصدرِ الرعب الأول والأخير والأكبر لـ"إسرائيل" ومَن معها، وهم يتآمرون الآن جميعاً على لبنان. 

وهذا ما أثبتته السنوات الأربعون الماضية من تاريخ لبنان والمنطقة والقضية الفلسطينية، كما أثبتته الحرب الأخيرة في غزة، والتي هُزِمت فيها "تل أبيب". 

لقد تحوَّلت "إسرائيل" إلى هدف مكشوف أمام صواريخ المقاومة وشجاعة مقاتليها ومقاتلي الفصائل الفلسطينية، الذين أصبحوا معاً مصدرَ رعب حقيقياً ووحيداً لجيش الاحتلال الإسرائيلي وعساكره الجبناء، حتى لو كانوا يملكون سلاحاً نووياً. 

لقد أثبتت كل تجارب الماضي أن هذا السلاح، ومعه عمالة الأنظمة في المنطقة، قد يؤخّران تحرير فلسطين، لكنهما لا ولن يمنعا رجال المقاومة ومَن معهم مِن الشرفاء من تحريرها وتحرير كلّ شبر من الأرض العربية المحتلّة. وإنّ غداً لناظره قريب!

 

حسني محلي ـ الميادين

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل