الصحبة الصالحة "المرء على دين خليله"

السبت 05 حزيران , 2021 10:51 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

 

الصحبة الصالحة

"المرء على دين خليله"

 

الصاحب الخيّر يمثل الخير ويتمثل به ويسعى لنشر الفضيلة ويتميز بها، والصاحب السيء يمثل الشر ويتمثل به ويسعى للإفساد ويتمثل به، ولقد مثَّل النبي ﷺ لهذه الحقيقة تمثيلاً رائعاً بليغاً، وذلك فيما رواه الشيخان أَنه قَال: "إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً".

فحامل المسك إن جالسته وتقربت منه، إما أن يحذيك - أي يعطيك شيئاً مما معه من المسك، أو يطيبك، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فحسبك أنك لن تجد منه إلا ريحاً طيبة، فلن تعدم خيراً في الأحوال الثلاثة. وأما عندما تجالس نافخ الكير – ونافخ الكير الحداد الذي ينفخ في البوق ليؤجج النار ليلين الحديد، إما أن يحرق ثيابك، أو تطير عليك شرارة منه، وإما أن تجد منه ريحةً منتنة، فلن تعدم الشر والأذى في كل حال.

وهذا الوصف الدقيق ينطبق على الصديق الصالح والصديق السيء. فمن يجالس الصديق الصالح فهو كمن يجالس حامل المسك، ومن يجالس صديق السوء، كمن يجالس نافخ الكير. وكم وكم للصحبة من أثر في توجيه سلوك الإنسان إما إلى الخير وإما إلى الشر، وبالتالي فإن لاختيار الصاحب في الدنيا دور هام في تحديد المصير يوم القيامة.

لأنَّ الصاحب الصالح يبصرك بعيوبك، وينصحك إن أخطأت، لا يجاملك بمنكر وقعت فيه، يحفظ عرضك ويكف ألسنة الناس أن تنال منك، الصاحب الصالح أُنس لك في الرخاء، وعُدّة لك في الشدة والبلاء، ثم بعد الموت سيبقى ذخراً لك بالدعاء.

أما خلان السوء فمن دأبهم التبخيس بالهمة، والسخرية من العبادة، والتثبيط من العزيمة، يجذبون جليسهم إلى مجالس لا تقوم على شيء مما يرضي الله عز وجل؛ مجالس تلبي الشهوات الآسنة، وتسعد النفس الأمارة، ثم بعد ذلك تأتي العاقبة، حُزن وحَزَن وندامة.

وكم من إنسان كان متجهاً بكليته وشراشره إلى ما يرضي الله عز وجل، يمضي نحو أهل الصلاح ومجالسهم، ويقوم على نشر الفضيلة والإصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لكنه لما ركن إلى خلان السوء، انجذب إليهم، وحجزوه عن السبيل الذي كان يمضي إليه، وتحولت دفته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وطاشت بوصلته من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، فكان من الخاسرين.

وكم من إنسان كان تائهاً في مجالس الخنا والشرود، ثم إن صحبة صالحة انتشلته مما هو فيه، فتحول إلى محراب العبودية لله، حيث وجد عزه وأنسه وسلواه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، فارتقى إلى مصاف الصالحين في الدنيا والفالحين في الآخرة.

وإذا علمنا ما تنتجه الصحبة الصالحة والصحبة الفاسدة في الدنيا، فتعالوا أحدثكم عن أثر كل من الخلة الصالحة والخلة الفاسدة على مصير الإنسان يوم القيامة.

لو تمعنتم في كتاب الله عز وجل لوجدتم العديد من المشاهد التي توضح مصير أناس ذهبوا ضحية صحبة سوء في الدنيا، انقطعوا عن السجود لله بعد أن ذاقوا لذته، كنت تراه في المسجد، ثم إنه أغمض عينيه وصم أذنيه ورمى بنفسه في أحضان فئة ضالة، فصار مظهره كمظهرهم، وكلامه ككلامهم، وهيئته كهيئتهم..

 ويحشرهم الله تبارك وتعالى مع الأصناف السبعة الذين ذكرهم النبي ﷺ في الحديث المتفق عليه تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وعد منهم: "وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ .."، فيكونوا في مأمن من هول الموقف يومتدنو الشمس من رؤوس الخلائق، ويشتد عليهم الكرب.

وماذا بعد الحشر؟ يقول النبي ﷺ فيما رواه مسلم في الحديث القدسي: قال الله عز وجل: "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"، يجعل الله تعالى لهم منابر من نور، يغبطهم عليها حتى النبيون والشهداء، والغبطة هي تمني تحصيل مثل ما للغير من فضل.

فإن كنت ترى أنك تحب الصالحين ولست منهم، فإياك أن يخرجك شعور الغربة عن دائرتهم، فهم القوم لا يشقى بهم جليسُهم، كما لا يشقى لحيظ عيونهم، حتى وإن قصرت منك الهمة وضعفت العزيمة عن اللحاق بركبهم، والنبي ﷺ يقول فيما رواه الشيخان: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ"، والحديث بشارة لمن أحب الصالحين حتى وإن كان من المقصرين. ونذير سوء ووعيد لمن أحب الفسقة والماجنين حتى ولو العابدين، لأنَّ النبي ﷺ قال فيما رواه أحمد في مسنده: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، فاحرص على مصاحبة من ينهضك حاله، ويذْكرك بالله مقاله، ويدعو لك بالرحمة غداً إذا ما ارتحلت إلى الله عز وجل.

والنبي ﷺ يقول محذراً فيما رواه أبي داود والترمذي: "لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طعَامَكَ إِلَّا تَقِيّ".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل