الإمام الخميني من سَكبِ دلو الماء .. إلى إمطار على الكيان الصهيوني بالصواريخ البالستية

الجمعة 04 حزيران , 2021 11:13 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

مضى ٣٢ عاماً على رحيل الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني، وهو الذي بدأ معركته مع الشاه محمد رضا بهلوي قبل العام ١٩٦٣ لكونه عميلاً للولايات المتحدة، ولكونه أيضاً حليفاً للكيان الصهيوني، وتحمل في سبيل توجهه هذا، كل أنواع البلاء، حيث تم اعتقاله ثم كان إبعاده عن وطنه إلى تركيا ثم إلى العراق، وكذلك كيل مختلف الإتهامات ضده لتشويه صورته، لكنه استقام على منهجه ولم يتزحزح عن مبدئه، ولم يتوانَ في معركته، حتى كان شهر شباط عام ١٩٧٩، حيث أُجبر شاهنشاه إيران ووارث كورش وعماد الإستعمار ومعتمد الصهاينة على الهرب من غضب الشعب الذي استجاب أخيراً لنداء الإمام الخميني وملأ كل شوارع مدن إيران وقراه هاتفاً " مرگ بر شاه "، وعاد الإمام الخميني من باريس منتصراً، واستقبله عشرات الملايين، وأعلن من  " بهشت زهراء " انتهاء عهد النظام الشاهنشاهي في ايران أولاً، ثم كانت الخطوة الأولى بعد تشكيل حكومة مهدي بازرگان المؤقتة فك التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، بل والسير في الخط المعادي لها، وكان احتلال السفارة الأميركية في طهران وأسر الديبلوماسيين والعاملين فيها، وقبل ذلك كان استبدال السفارة الإسرائيلية بسفارة فلسطين، ولم يسبق أن أحداً في العالم اعترف بـ "دولة فلسطين " وأقام لها سفارة، وأعلن الإمام الخميني كل جمعة من آخر شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس، وتحمس الشبان الإيرانيون للقدوم إلى لبنان للمشاركة في القتال ضد الكيان الغاصب بقيادة الشهيد الشيخ محمد منتظري.
وهكذا بدأت المعركة الأساسية بين إيران الخميني مع بقايا إيران الشاه في الداخل ومع حلفاء النظام البائد في الخارج، فكانت محاولات الإطاحة بالثورة عبر الإنزال الأميركي المباشر في صحراء " طبس "، ثم من خلال محاولة الإنقلاب العسكري انطلاقاً من قاعدة " نوژه " العسكرية في مدينة همدان، وفي المرحلة الثالثة كانت الحرب العراقية على الدولة الإسلامية الفتية والتي دامت ٨ سنوات.
لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية خرجت من تلك الحرب، وسرعان ما انقلب السحر على الساحر، و عادى صدام أفضل أصدقائه بل حُماته ومناصريه، وخاصم أهم ممولي حربه والمساندين له في كافة المحافل الإقليمية والدولية، حيث قام باحتلال الكويت وهدد بغزو المملكة العربية السعودية، وابتزّ مالياً باقي دول الخليج.
لقد قام الكيان الصهيوني في خضم الحرب العراقية ـ الإيرانية باجتياح لبنان عام ١٩٨٢، فكان القرار الإيراني بالمسارعة إلى التوجه نحو سورية ومنها إلى لبنان لمناصرة الذين يقاومون الغزاة، ومن هنا بدأت المقاومة الإسلامية في لبنان.
إن الواقع الفلسطيني قبل العام ١٩٨٢ كان مؤلماً جداً حيث كان عدد من الدول العربية تتلاعب بالقضية فتعلن دعمها للفلسطينيين في الإعلام ومن خلال البيانات، فيما يتم استقبال الزعماء الصهاينة في قصور الملوك والرؤساء وتُحاك المؤامرات مع المحتلين في الخفاء، حيث أُجبر القادة الفلسطينيون بعد هزيمتهم واحتلال بيروت على الخروج من لبنان على ظهر باخرة تحمل علماً أجنبياً، ولم تقبل أية دولة عربية باستقبال القيادة الفلسطينية أولاً على أراضيها، وتفرق الباقون هنا وهناك أشتاتاً، فكان توجه الباخرة أولاً نحو سواحل اليونان، ثم وافقت تونس على استضافة القيادة الفلسطينية شريطة أن لا تقوم بأي نشاط عسكري ضد الكيان الصهيوني، فيما الصهاينة كانوا يصلون بكل حرية إلى تونس ويقومون باغتيال القادة الفلسطينيين في العاصمة بدم بارد ويغادرون من دون أي اعتراض من الدولة التونسية.
لكن الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام الخميني الراحل كانت تحمل الفضية الفلسطينية على عاتقها بكل صدق وإخلاص، فكان يطالب الإمام الامة الإسلامية بترك خلافاتها جانباً والتوحد ضد الكيان المحتل لأرض أولى القبلتين، جيث أعلن كلمته الشهيرة: " لو سكب كل واحد من المليار مسلم دلواً واحداً من الماء على الكيان الصهيوني لجرفت السيول " إسرائيل "، في وقت كان الآخرون بدل اغتنام الفرصة والتقوّي بالثورة الإسلامية على أشد الناس عداوة لهم، صاروا يفتشون عن نقاط الإختلاف بين المسلمين والعرب، فتارة كانت تتم إثارة النعرات الطائفية في بلاد فيها تعدد للطوائف، وطوراً يكون التركيز على الخلافات المذهبية في بلاد فيها تنوع مذهبي، ولخلق مواجهة بين الدول الإسلامية عملت أجهزة مخابرات كثير من الدول وسخرت وسائل الإعلام المأجورة لإثارة العنصرية هنا وهناك، فاثارت العرب على الفُرس تارة، وضد الأتراك تارة أخرى، وكان ابتزاز الباكستانيين من خلال المال، وبين الدول العربية نفسها كانت تُثار الخلافات والحروب بين الحين والآخر لأتفه الأسباب، وتُفرض أشد العقوبات والحصار الخانق من قبل دولة عربية على دولة عربية أخرى بين عشية وضحاها، حتى أصبحنا اليوم لا نجد بلداً عربياً أو إسلامياً من دون أزمة داخلية، ولا دولة لا تُضمر العداء لجارتها وتتحين الفرص للإنتقام من شقيقتها.
وفي نفس الوقت نرى بذهول اللهاث وراء الصهاينة المجرمين، وإنكار كل الثوابت الدينية، والتخلي عن جميع القيم العربية، والتنكر لجميع المواثيق الدولية، وإزالة كل العوائق التي تمنع التطبيع مع الصهاينة المجرمين، في محاولة لكسب ودَهم ونيل رضاهم، وهذا ما لا يمكنهم الحصول عليه حتى لو وضعوا أعناقهم تحت جزماتهم لأنهم في العقيدة يرون غير اليهود حيوانات يجب أن يكونوا دائماً في خدمتهم، وعلى أرض الواقع تجسد " إسرائيل " الذراع القوية واليد الضاربة والعصا الغلظة للولايات المتحدة في المنطقة، والكيان الصهيوني يتلقى أصناف الدعم الإقتصادي والعسكري والمالي ومن دون أي تحفظ من جميع الدول الكبرى وغيرها، فلا يرى قادة الكيان المحتل إذاً أية حاجة لتقديم تنازل أمام الدول العربية وحكومات المنطقة، بل إن زعماء العرب جميعاً إلاّ القلة منهم يتسابقون في بناء علاقات مع الكيان الصهيوني من موقع الضعف الشديد، بل يتوسلون الغاصبين ليقبلوا بصداقتهم، ويبادرون إلى فتح أجواء بلادهم أمام طائرات العدو الغاشم طمعاً في أن يكونوا الوسيط ليكسبوا رضى الولايات المتحدة وأخواتها في الغرب أو ليسكتوا على الأقل عن ملاحقتهم في المحاكم الدولية والتوقف عن إلصاق مختلف الإتهامات بهم.
إن انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني الراحل قلب كل الموازين، فأصبح الأميركي المتعجرف يتوسل بالقريب والبعيد لعله ينال رضى إيران، وينتظر الرئيس الأميركي بيل كلينتون أكثر من ١٥ دقيقة في ممرات مبنى الأمم المتحدة لعله يحظى بلقاء عابر مع الرئيس الإيراني، ويوسط الرئيس دونالد ترامب الرئيس الفرنسي ورئيس اليابان والأمين العام للمتحدة وغيرهم لعل الرئيس الإيراني أو وزير الخارجية الإيراني يوافقان على اللقاء معه.
إن الواقع الجديد في المنطقة والخطاب الإسلامي الثوري للجمهورية الإسلامية في إيران قد بعث الحياة في النفوس وأعاد الأمل إلى الشعوب من جهة، ودبّ الرعب في قلوب الحكام الجائرين، وخاف السلاطين على عروشهم من غضب المستضعفين، وبعد أن اقتنع أغلب العرب أن لا مناص من القبول بالإستكبار الأميركي ولا مفرّ من الرضوخ أمام العصابات الصهيونية، جاء من يُسقط الهيبة الأميركية ويتحدى سلطتها على مستوى المنطقة والعالم ويُجبرها على الرضوخ لإرادتها والتراجع عن كامل عقوباتها، ويفرض الذل والمهانة على الكيان الصهيوني الذي كان يقتل كل فلسطيني يرفع علماً فلسطيناً في اية بقعة من أرضها المغتصبة، وإذا بعلم فلسطين يُرفع على قبة المسجد الأقصى في القدس وفي كل شوارع فلسطين ويوضع على باب كل بيت فلسطيني، بل صار بعض اليهود أيضاً يرفعون العلم الفلسطيني ويُحرقون علم " إسرائيل " في تل أبيب والقدس، والإنسان الذي كان يرفع حجارة في وجه جندي صهيوني ويُردى قتيلاً بدم بارد، صار يُجبر رئيس الوزراء الصهيوني على النزول إلى الملجأ ليحمي نفسه من الصواريخ البالستية للمقاومة، والمستوطنون الذين كانوا يعتدون على الفلسطينيين طوال عقود قد اضطروا للبقاء أسبوعين مختبئين في الملاجئ كي لا تصيبهم قذائف المجاهدين، وتوقفت مطارات وموانئ الدولة الصهيونية عن العمل وتعطلت المؤسسات بسبب صليات الصواريخ الفلسطينية التي تعجز القبة الحديدية عن التصدي لها، وهي استهدفت المراكز الحيوية في طول الكيان وعرضه حتى اقتربت من أهمها وهي مفاعل " ديمونا " النووي، ومنصات الباتريوت لم تفعل شيئاً أبداً.
وتساءل العالم كله كيف تحول هذا اللاجئ الخاضع لإرادة الجندي المحتل لمدة عقود إلى بطل يقضّ مضاجع قادة الكيان، ويفرض عليهم عقد اجتماعاتهم في بطن الأرض لأن ظهرها صار يشكل خطراً على حياتهم، وكيف كان العسكري الصهيوني يدخل إلى حيث يشاء ويعتقل من يريد من الفلسطينيين ولا يمكن لأفراد عائلته فعل شيء سوى زرف الدموع والتوسل لعل الصهيوني يرأف به قليلاً، وإذا بالمستوطنين اليوم يرتجفون خوفاً وهم في غرف نومهم إذا أحسوا بصوت  تحت بيوتهم، لأنهم يتوقعون أن يكون المجاهدون قد وصلوا في أنفاقهم إلى تحت مساكنهم، بل إن الجيش الذي كان لا يُقهر والذي أُجبر على الخروج من قطاع غزة يهاب اليوم أن يخطو خطوة واحدة للتقدم نحوها، لأنه يخاف أن يقع جنوده في أسر الفلسطينيين، وكيف كان الفلسطيني الأسير لدى الصهاينة يعدّ نفسه من الأموات لحظة الإمساك به وزجّه في السجن لأن لا أحد يمكنه الضغط على " إسرائيل " لتحريره، وإذا بالكيان المجرم أصبح يتوسل مدة سنوات لدى القريب والبعيد لتطلق المقاومة الإسلامية سراح الجندي الأسير لديها والمقاومة هي التي تماطل وتملي الشروط وترفع سقف المطالب، وتفرض على الصهاينة الرضوخ، بل إن الطائرات المسيرة المتفجرة كان يتباهى بها الصهاينة، وكانوا يستهدفون بها من يشاؤون من الفلسطينيين في اي شارع أو زقاق وفي أية مدينة، وإذا بالمسيّرات الفلسطينية تلاحق الصهاينة، وتفجر مدرعاتهم، وتدمر منازل المستوطنين على رؤوسهم.
إن تبدل الواقع هذا لا يُنكره أحد من الأقربين والأبعدين، لكن ما كان سرّاً في السابق صار معلوماً علانية وهو أن مصدر السلاح المتطور لدى المجاهدين الفلسطينيين هو الجمهورية الإسلامية، وأن تدريب المجاهدين يتم على أيدى إخوانهم في المقاومة الإسلامية في لبنان وبإشراف من الحرس الثوري الإيراني، وأن الصواريخ البالستية الذكية تصل إلى قطاع غزة من إيران بعد جهد جهيد، وأن أكثر مخزون الصواريخ الذي عند حماس والجهاد الإسلامي هو ما وصل عن طريق التهريب ومبدؤها الجمهورية الإسلامية في إيران، وأن الحصار الخانق المفروض على الشعب الفلسطيني عموماً وعلى أهالي قطاع غزة على وجه الخصوص ومنع وصول الأموال إليهم كان قد قضى على القسم الأكبر من المواطنين وضيق الخناق بالكامل على المجاهدين لولا تلك المساعدات المالية من الجمهورية الإسلامية، وهي قدمت بسخاء في حين أن الإيرانيين أنفسهم يواجهون أشد العقوبات الإقتصادية من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية.
اليوم وفي الذكرى الـ ٣٢ عاماً لرحيل الإمام الخميني نرى كيف تطورت الأمور وأصبحت الصواريخ تنهال على رؤوس الصهاينة الغاصبين بعدما كان يطالب الإمام الخميني المسلمين في بداية انتصار الثورة عام ١٩٧٩ ليسكب كل واحد من المليار مسلم على الأقل دلواً من الماء فتأخذ السيول قطعان المستوطنين، لكن وبعد إن تلكُأ عموم المسلمين عن الإستجابة لنداء الإمام الخميني فإذا بأبنائه البررة جعلوا الصواريخ تنهال على رؤوس المحتلين كزخّات المطر، والمسيّرات الفلسطينية تستهدف قوافل المجرمين فتمزقهم أشلاء، وبدل أن تُغرفهم المياه وهم فوق الأرض أجبرتهم القذائف والصواريخ على الإحتماء منها والإسراع للإختباء تحت الأرض، وهم مع ذلك لا يأمنون على أنفسهم لأنهم يتوقعون في كل لحظة اختراق الصواريخ المدمرة أسقف الملاجئ وهم في بطن الأرض متحصنين، أو أن يطلّ عليهم في مخابئهم مجاهدون من أحد الأنفاق فيموتون من الرعب قبل أن يطلق عليهم إي رصاصة، والله سبحانه وتعالى قد توعدهم من قبل في كتابه بما يصيبهم اليوم على أيدي خيرة عباده وذلك بقوله: (إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوٓءَ ٱلْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل