مقالات مختارة
اندلعت الإنتفاضة الشعبية المجيدة مجدداً في فلسطين المحتلة بسبب محاولة طرد مجموعة من سكان محلة ( الشيخ جراح ) من منازلهم، وإحلال مستوطنين صهاينة مكانهم، ومن قبل كان الإحتقان الشديد سائداً نتيجة هتك المستوطنين الصهاينة حرمة الأقصى الشريف ومنع المصلين من أبناء القدس الصلاة في المسجد.
جاء هذا التحدي الجدي والجديد للأمة الإسلامية بعد فترة قصيرة من عمليات التطبيع بين عدد من الدول العربية والكيان الصهيوني، وكان تبرير الأطراف المطبّعة في وسائل إعلامهم أن هذه الخطوة ستجعل من الممكن الضغط على قادة الكيان الغاصب والحصول على تنازلات لصالح الفلسطينيين، لكن الطرف الآخر رد فوراً وبكل وقاحة أن هذه التطبيعات هي نتيجة قوة " إسرائيل " وضعف الدول العربية وحاجتها الماسة إلى الإعتراف علانية بهذا الكيان بعد عقود من العلاقات السرية معه لتتمكن من خلق توازن مقابل القوة العسكرية الإيرانية.
لكن هذا الوهم سرعان أن انفضحت حقيقته إذ تبين أمام العالم كله مدى ضعف هذا الكيان، وذلك عندما تحرك بعض الغيارى في قطاع غزة المحاصَر جواً وبراً وبحراً والمتروك لحاله من قبل الدول العربية، حيث صارت المقاومة توجّه صواريخها البالستية والمسيّرات المتفجرة نحو المؤسسات الحيوية في مختلف المدن والمستوطنات الصهيونية القريبة والبعيدة حتى شملت مدينة القدس المحتلة وتل أبيب وعسقلان وحيفا وغيرها وبلغت أيضاً المنطقة القريبة جداً من مفاعل ديمونا النووي الصهيوني.
ورغم مضي عدة أيام على المواجهة البطولية بين المجاهدين الفلسطينيين والصهاينة المجرمين نرى كثيرين ممن يُتوقع منهم الإصطفاف إلى جانب إخوانهم العرب المظلومين والوقوف مع المدافعين عن حرمة أولى القبلتين، وإذا بهم يقفون متفرجين على الجرائم الصهيونية، بل يقفون بذلّ أمام الحكام الصهاينة ويتوسلون إليهم لعلهم يوافقون على وقف هجماتهم الوحشية على إخوانهم في العِرق والدم، وذلك من دون أن تغلي دماءهم وتتحرك حميتهم ويُقدموا على خطوة عملية لمساندة إخوانهم الذين يقاتلون بصدورهم العارية ولكن بإرادتهم الفولاذية وإيمانهم بحتمية نصر الله للمستضعفين.
والمخزي جداً أن سياق نشرات الأخبار لكثير من وسائل الإعلام العربية يكون هذه الأيام لصالح الجرائم الصهيونية، وفي أحسن الأحوال التعامل مع المجرم والضحية على قدم المساواة، واستعمال كلمة (القتلى) للآمنين الذين تهاجمهم آلة الحرب الصهيونية في منازلهم بصواريخ الطائرات وقذائف المدفعية من دون تمييز بين الشيخ والمرأة والطفل، وأيضاً في وصف المجرمين الذين يقومون بعملية القتل، وارتكاب الجرائم الوحشية، وتدمير البيوت على رؤوس قاطنيها، والقضاء على البنى التحتية الفلسطينية.
ولا ندري كيف يستطيع كاتب السطور ومحرر الأخبار العربي والفلسطيني منه على وجه الخصوص العامل في تلك القنوات من السيطرة على مشاعره والإستمرار في عمله في تلك المؤسسات التي تبرر المذابح الصهيونية بحق أهلهم وإخوانهم، والسكوت على الإنتهاكات التي تتعرض لها أمهاتهم وأخواتهم من النساء الفلسطينيات العفيفات من قبل جنود الإحتلال والمستوطنين، وغمض عيونهم على الصور والأفلام المروعة التي تردهم كل ساعة بل كل دقيقة وهم يرونها قبل أن يشاهدها عموم المشاهدين، هذا إذا تكرم القيمون على تلك المؤسسات الإعلامية بالسماح بنشرها على شاشاتهم الأرضية والفضائية ؟!.
إن المواجهات الدائرة هذه الأيام في فلسطين الحبيبة لهي المعيار لمعرفة حقيقة الأفراد والجماعات والدول، فالذين يترددون في الوقوف الصادق وغير الموارب مع الشعب الفلسطيني يجب تصنيفهم في خانة حلفاء الصهاينة ومؤيدي جرائمه الوحشية، أما الذين يُبدون كلٌ بحسب موقعه وظروفه مساندتهم لإخوانهم المظلومين فإنهم وحدهم الذين سيُنصفهم التاريخ ولا تشملهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلى أبد الآبدين.
إن الصور والتقارير التي ترد تباعاً عن الهجمات الوحشية الصهيونية بحق إخواننا في غزة العزة والصمود البطولي للمجاهدين ووحدة الصف الداخلي رغم التخلي العربي بل التواطؤ الرسمي التي نشاهدهما، لهما تجعلان القلوب تتفطر ألماً وحزناً من جهة وتثير الدهشة وتبعث على الافتخار من جهة أخرى، لما نرى من صلابة الموقف والإستقامة في النهج بحسب ما أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله والمسلمين الصادقين في قوله: ( فاستقم كما امرت ومن تاب معك ).
إننا إذ ندين بكل قوة الجرائم الصهيونية التي هي في ذات الكيان منذ ما قبل تأسيسه عام ١٩٤٨، وكذلك نشجب السكوت العربي والتواطؤ الرسمي للحكام المطبّعين والمصفقين لهم، نؤكد في الوقت نفسه على تكاتفنا مع المجاهدين الأبطال، ونشدّ على أياديهم، ونساندهم بما يمكننا من قول وفعل، ونذكّر إخواننا المقاومين بوعد الله سبحانه الذي لا يخلف الميعاد: ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا ) صدق الله العلي العظيم.
السيد صادق الموسوي