إبريق زيت الحوار اللبناني 1697 - 2021 وما بعدها (16/3) ـ أحمد زين الدين

الثلاثاء 11 أيار , 2021 08:04 توقيت بيروت أقلام الثبات

سبع سنوات من الحوار انتجت الميثاق الوطني غير المكتوب

أقلام الثبات

ثمة أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون، كلما سمعوا عن حوار مزمع، أو التحضير لحوار، ومن هذه الأسئلة:
ماذا يمكن أن ينتج، وماذا ينتظرنا بعده وهل نحن أمام هدوء واستقرار أم أمام مرحلة جديدة من مخاض صعب لا يعرف متى ينتهي؟
واللبنانييون كما كانت حواراتهم تنتج أحياناً أزمات أو مدخلاً لأزمات كبرى، وحروب، كانت أيضاً مدخلاً لحلول، وفي كل الحالات، فإن التشديد والعمل من أجل الحوار له معنى واحد أن هناك أزمة ولابد من حل لها.
 

أمام كل تجارب الحوار المريرة التي شهدها لبنان منذ معارك الاستقلال حتى اليوم، والتي غالبا ما كانت تفضي الى نتائج سلبية، وصلت في مراحل معينة الى حد تهديد الكيان بحد ذاته، بيد ان ذلك لا يعني بتاتا ان كل تجارب الحوار كانت سلبية او غير مجدية، ففي العام 1943، امكن الوصول الى قيام دولة الاستقلال، بفضل الحوار المعمق الذي اجراه اللبنانيون سواء سرا او علنا، وكان قطباه البارزان بشارة الخوري ورياض الصلح، فأنتج الميثاق الوطني غير المكتوب الذي يمكن القول عنه انه كان خلاصة تجربة استمرت نحو سبع سنوات (1936 - 1943)، حيث ان المقولات الوطنية المتناقضة، التي كانت تتجسد بإرادة المسيحيين في تدعيم الكيان اللبناني الذي قام عام 1920 من جهة، وتمسك المسلمين بانتمائهم العضوي الى سوريا والعروبة من جهة ثانية، تجلت صيغة وطنية تجسدت بالميثاق الوطني الذي لم يستطع اللبنانيون مع الأسف الشديد تطويره.
وعودة الى البدايات فان المؤتمرات الطائفية الوحيدة الجانب كانت السمة الأساسية للعمل السياسي في لبنان منذ العام 1920، وفي 6 شباط من عام 1936، شهد الصرح البطريركي في بكركي مؤتمرا للطائفة المارونية القى فيه البطريرك عريضة خطابا مطولا تطرق فيه الى العلاقات الودية بين لبنان وسوريا، وانهى المؤتمر اعماله بالمقررات الاتية:
- الحفاظ على لبنان ضمن حدوده الحاضرة من دون أي تعديل.
- استقلال لبنان وسيادته الوطنية وتعميق الروابط الأخوية بينه وبين سوريا، خصوصا الروابط الاقتصادية والاجتماعية.
- الدعوة الى دستور جديد على قاعدة لبنان المستقل فعلا، على ان يضمن هذا الدستور الحريات العامة والخاصة لجميع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، ويعزز النظام البرلماني، ويؤكد على الحريات الصحافية وحرية الاجتماع، وحرية إنشاء الأحزاب السياسية، وذلك ضمن القوانين المرعية الاجراء.
- ابرام معاهدة مع فرنسا على غرار المعاهدة الفرنسية - السورية.
- دخول لبنان في عصبة الأمم.
ولأن المؤتمر المسيحي، كان يستدعي دائما مؤتمرا إسلاميا، او العكس بالعكس، وبالتالي كان الانتداب يبقى سيد الموقف متحكما بالمسلمين والمسيحيين. وفي 14 آب 1936 عقد مؤتمر الساحل برعاية مفتي الجمهورية اللبنانية الأكبر الشيخ محمد توفيق خالد، وصدرت عنه المقررات الاتية:
- التأكيد مجددا على الوحدة السورية كمدخل للوحدة العربية الشاملة، والعمل بكل الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف.
- الدخول في مفاوضات مع فرنسا من اجل الوصول إلى وحدة سوريا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- إزالة الغبن اللاحق بالمسلمين من جراء السياسة الانتدابية المتبعة والعمل على ان تنص المعاهدة المزمع ابرامها على التوزيع العادل بين الطوائف.
- العمل على إجراء الاتصال والحوار المثمر في سبيل الوصول إلى تفاهم مع الطوائف المسيحية على قاعدة مقررات المؤتمر.
يتضح من هذين المؤتمرين انهما يفتحان الطريق امام الحوار الإسلامي - المسيحي والتلاقي المشترك على أساس وحدة الطوائف اللبنانية ضد الانتداب، وقد تجسد ذلك في مؤتمر بكركي في عام 1941 الذي افتتحه البطريرك عريضة بخطاب شهير جاء فيه: «إن الشعب الحر، له حرية سن قوانينه الدستورية التي تقدس الحريات الشخصية والحريات العامة والتي تؤمن تمثيل الطوائف والمناطق تمثيلا عادلا وتبقي الاحكام بيد أبناء البلاد يحملون مسؤولياتها ويقومون باعبائها، والشعب الحر له حق تقرير مصيره بملء الاختيار، وله حرية التعاقد مع الدول الأجنبية».
أضاف البطريرك عريضة: «ان هذا الصرح ليس وقفا على الطائفة المارونية فحسب، بل هو يتبع جميع اللبنانيين وفق المصلحة اللبنانية لا فرق فيها بين طائفة وأخرى».
وقال البطريرك عريضة:
- نريد استقلالا ناجزا يطابق رغبات الشعب اللبناني.
- نريد استقلالا مبنيا على العدل في توزيع المناصب والمنافع.
- نريد استقلالا مبنيا على المساواة بالحقوق تأخذ كل طائفة فيه حقوقها بنسبة أهميتها.
- نريد استقلالا مبنيا على الحرية في المعتقد، في القول، وفي العمل.
- نريد استقلالا مبنيا على التآلف والتضامن والغية في سبيل المصلحة الوطنية.
- نريد الائتلاف مع المجاورين لنا في الشرق، ومع كل الدول الذين لنا علاقة معهم، لا سيما مع دول فرنسا وانكلترا وأميركا.
وكان من ابرز مقررات هذا المؤتمر:
- استقلال لبنان استقلال فعلي يمكنه من تقرير مصيره بملء الاختيار.
- حرية لبنان بالتعاقد مع الدول الاجنبية كدولة مستقلة.
- سن قوانين دستورية تكفل الحريات الخاصة والعامة وتفرق بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وهذه تؤمن بواسطة مجلس سياسي منتخب انتخاباً حراً تتمثل فيه الطوائف والمناطق اللبنانية تمثيلاً عادلاً.
- تسليم الاحكام فعلاً إلى أبناء البلاد ليحملوا مسؤوليتها ويقوموا بأعبائها.
- اعتبار كل عمل تأتيه الحكومة الحاضرة من شأنه ان يقيد البلاد ان كان من الوجهة السياسية أو الوجهة الاقتصادية لاغياً غير معمول به، إذ لا يُمكن تقييد البلاد الا بواسطة حكومة تمثل لبنان تمثيلاً حقيقياً حائزة على ثقة المجلس وتصديق مجلس نيابي منبثق عن انتخاب حر.
- إعلان الثقة بغبطة البطريرك الماروني لتحقيق هذه الأهداف بمؤازرة شخصيات تمثل الطوائف والمناطق اللبنانية.
ويبدو واضحاً ان هذا المؤتمر قد جسد صيغة العيش المشترك والتي سميت «الميثاق الوطني» بحيث جاء بيان الحكومة الاستقلالية الأولى برئاسة رياض الصلح عام 1943 تجسيداً لهذه الصيغة التي حملت وعوداً بتطويرها وتعميقها بما يُعزّز الوحدة الوطنية وقيامة الكيان كوطن نهائي لجميع بنيه، كما ان خطاب القسم لرئيس الجمهورية الاستقلالي الأوّل بشارة الخوري عكس هذا الواقع ووعد بإصلاحات في هذا الشأن، فبيان الحكومة الاستقلالي الأوّل وعد بأن يكون هناك حساب عسير لكل من يفرط أي تفريط فيه مساس بمعنى الاستقلال، كما وعد بمعالجة الطائفية، حيث أكّد ان الساعة التي يُمكن فيها إلغاء الطائفية هي ساعة يقظة وطنية شاملة مباركة في تاريخ لبنان، كما وعدت هذه الحكومة بقانون انتخابي يضمن ان يأتي التمثيل الشعبي أكثر انطباقاً مع رغبة اللبنانيين، وليكون التمثيل الشعبي صحيحاً تمام الصحة، وأكدت على إحصاء شامل «قريباً جداً» كما وعدت الحكومة الاستقلالية الأولى بإصلاح في الإدارة والقضاء والنظام المالي والضرائبي، وتطوير وتحسين مستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وتأمين العدالة الاجتماعية وهلم جرا... إضافة إلى التأكيد على ان لبنان ذو الوجه العربي لن يكون ممراً ولا مقراً للاستعمار، ولن يدخل في احلاف تعادي العروبة. وإذا كان هذا الحوار قد افضى إلى الوصول إلى الاستقلال وقيام الكيان والدولة الا ان الوعود استمرت وعوداً، ليشهد لبنان على مر تاريخه الاستقلالي أزمات وطنية كبرى، ومزيد من الحوارات وكانت تنتج أحياناً سلاماً، وفي احيان كثيرة تكون مقدمات لأزمات كبرى، وتوسيع الانقسامات الداخلية وحروب أهلية. وهكذا كان لبنان يشهد مع كل عهد تقريباً أزمة وطنية كبرى، كان العامل الخارجي يلعب دوراً مؤثراً فيها، فتارة يكون معطلاً لأي شكل من اشكال الحوار، وطوراً يكون حاسماً في التلاقي والوفاق.
يتبع ... 

(حلقة جديدة كل ثلاثاء وخميس)
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل