الحظر السعودي على الصادرات الزراعية اللبنانية ... ما المغزى السياسي؟

الإثنين 26 نيسان , 2021 12:11 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

هل كان الإجراء السعودي المفاجئ بحظر استيراد الفاكهة والخضار اللبنانية الى المملكة والمرور عبر أراضيها متعلقاً حصراً بحادثة الكشف عن شحنة حبوب مخدرة في فاكهة الرمان، أم أن له أبعاداً أخرى؟

هناك حقائق معلنة حتى الآن بشأن شحنة حبوب الكبتاغون التي أعلنت السعودية اكتشافها على أنها قادمة من طريق لبنان:

ـ الشحنة مصدرها من خارج لبنان، باعتبار أنه لا وجود لموسم الرمان في هذا الفصل في لبنان ولا يوجد لدى لبنان ما يصدّره من هذه المادة، ولبنان مجرد طريق عبور. وبالتالي لا صحة لاتهام جهات لبنانية في استهداف السعودية بالمخدرات.

ـ الموقوفون في القضية، بحسب البيان السعودي الرسمي، أربعة مواطنين سعوديين و"نازح"، وبالتالي لا يبدو أن هناك موقوفين لبنانيين في القضية.

ـ أعلنت السعودية في الفترة الماضية اكتشاف شحنات عدة من المخدرات قادمة من دول عدة من بينها الإمارات وتركيا ولبنان والاردن (الجدول المرفق يبين مصدر شحنات مكتشفة وتواريخها). فلماذا استهداف لبنان وحده بإجراء منع الصادرات الزراعية؟
والأهم: لماذا تم اللجوء الى منع مرور هذه الصادرات عبر الأراضي السعودية، علماً ان السعودية هي الممر البري الالزامي للصادرات اللبنانية إلى دول الخليج الأخرى عبر الأردن او عبر العراق؟

ـ لماذا لم تطلب السلطات السعودية التعاون من أجهزة الأمن اللبنانية لمتابعة التحقيق في الموضوع، بل قفزت مباشرة إلى قرار بمنع الصادرات الزراعية اللبنانية إليها وعبرها؟ علماً أن الأجهزة اللبنانية أحبطت في الفترة الماضية العديد من محاولات تهريب المخدرات من الخارج الى لبنان، وعبر لبنان الى دول عدة من بينها السعودية. ولا يمكن إعفاء مواطنين سعوديين من التورط في هذه التجارة الإجرامية، وسبق أن حاول أحد الأمراء وهو الأمير عبد المحسن بن وليد بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود الملقب بأمير الكبتاغون تهريب حوالى 2 طن من هذه المادة عبر مطار بيروت عام 2015، وتم حبسه في لبنان لفترة من الزمن قبل أن يُخلى سبيله العام الماضي بقرار من النائب العام التمييزي بعد ضغط سعودي للافراج عنه، خلافاً لقرار رئيس الجمهورية بردّ العفو عنه! بالتالي، أوليس تفعيل التعاون في مجال مكافحة تهريب المخدرات أكثر فعالية من اللجوء الى سياسة الحظر؟

ـ هل تهريب المخدرات مقتصر على توظيف السلع الزراعية، أم انه يشمل أيضا كل انواع المنتجات؟ وبالتالي، هل ستلجأ الرياض عند كل "اكتشاف" الى توسيع نطاق الحظر ضد لبنان؟

صحيح أن السعودية تأتي في المرتبة الثانية بعد الكويت في استيراد السلع الزراعية اللبنانية، لكن منع حظر مرورها عبر الاراضي السعودية الى الدول الخليجية الأخرى يزيد حجم الخسارة اللبنانية، علماً ان قيمة إجمالي صادرات لبنان من الخضار والفاكهة الى الخارج بلغت 145 مليون دولار في العام 2020، وتصل حصة دول الخليج منها الى نحو 55 %، بحسب رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك.

ماذا تريد الرياض من لبنان بعد؟

ثمة مؤشرات الى ان القرار السعودي لا يبتعد عن مجموعة ضغوط تفرضها السعودية على لبنان ربطاً بالوضع الداخلي اللبناني والتطورات الاقليمية. ويمكن قراءة أول مؤشر من الحملة الواسعة التي أطلقتها وسائل إعلام سعودية فور الإعلان عن القرار من خلال إعطائه بعداً سياسياً وإطلاق اتهامات منمَّطة ضد حزب الله بالوقوف وراء استهداف المملكة بالمخدرات، علماً ان الأمين العام لحزب الله أوضح تكراراً موقف الحزب القطعي بشأن حرمة التعامل بالمخدرات والذي يستند الى قراءة شرعية لا مجال للتهاون بها أو تأويلها حتى على افتراض استخدامه ضد بيئات معادية.

المؤشر الثاني أن الرياض قطعت بهذا الإجراء الطريق عملياً على أي انفتاح خليجي جزئي على لبنان، وتحديداً بعد زيارة رئيس الوزراء حسان دياب الى الدوحة. ومن الصعب تفسير التزامن بين انتهاء زيارة دياب الى قطر وعودته بأجواء ايجابية وبين صدور القرار السعودي بشأن الصادرات الزراعية اللبنانية.

ويضاف ذلك الى تأجيل زيارة وفد الحكومة اللبنانية الى بغداد التي كانت مقررة في 17 نيسان الجاري، بطلب من الحكومة العراقية التي تقيم علاقة وثيقة مستجدة مع السعودية. ولم تقدم الحكومة العراقية تفسيرات محددة لطلب التأجيل سوى الحديث عن أسباب داخلية، كما لم يتم تحديد موعد بديل، الأمر الذي يلقي شكوكاً معقولة حول ما يجري.

ونعرف أن السعودية تستخدم الأدوات الإقتصادية لتوجيه رسائل سياسية، على سبيل المثال ثمة حظر واسع تفرضه بصورة غير معلنة على المنتجات التركية على خلفية التباين بين البلدين في النظرة الى كثير من القضايا الاقليمية، ولكن ليس بسبب قضية مخدرات على غرار ما تبرر به الحظر على لبنان.

في السياق اللبناني الأوسع، تستكمل الرياض سياسة الحصار التي بدأها ولي العهد السعودي مع احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عام ٢٠١٧، والأخير ما زال ممنوعاً من زيارة السعودية برغم انه قدّم فروض الولاء من خلال زيارته السعودية في ذروة أزمة محمد بن سلمان بسبب قضية خاشقجي، وكانت تلك الزيارة حاجة لولي العهد السعودي من أجل فك عزلته ورفع التهمة عنه من جانب أحد ضحاياه. كما يرفض الحريري تمثيل حزب الله في حكومته المفترضة تحاشيا لإغضاب الحكم السعود، لكن ذلك لم يشفع له.

في الختام، ينبغي إيلاء الإهتمام لما سيلي الإجراءَ الجديد، مما قد يساعد في فهم أبعاده الواسعة. لكن اللافت أن تفجير قضايا وأزمات جديدة يأتي في وقت تتعزز علاقات التطبيع بين دول خليجية والعدو الصهيوني في مرحلة الإعداد للتعامل مع تحديات مشتركة وفي مقدمها توجه الإدارة الأميركية لإبرام اتفاق نووي مع ايران، الأمر الذي يزيد توتر السعودية ويدفعها ربما لخطوات مفاجئة في حق بعض الدول الاقليمية، على أمل أن تحسن موقعها التفاوضي على الصعيد الإقليمي. وما الأردن عنا ببعيد.

 

علي عبادي ـ العهد

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل