أقلام الثبات
لم يكن ينقص "اسرائيل" في غمرة انغماسها في فكّ "شيفرات" الإنفجار الضّخم الذي هزّ منشأة "تومير" لصناعات الدّفاع الجوّي قرب القدس الثلاثاء (في 20 الجاري)، الا ان تتلقّى "مُلحقا" وبشكل سريع، على متن ضربة صاروخيّة ليليّة أتت خارج حساباتها، وحملت دلالات هامّة بل غير مسبوقة في مضمونها ومكانها وزمانها.. هذه المرّة مفاعل ديمونا هو الحدث.. صاروخ ارض-جوّ صُوّب الى القرب من المفاعل النّووي الشهير وحيّر قادة الكيان ووسائل اعلامه ومحلّليه العسكريين في رصد مكان انطلاقه قبل تحديد هوّيته "السوريّة"، وعجز الجيش"الإسرائيلي" عن احاطته "بالتكتّم الشديد" على جري عادته ربطا بخطورة المكان المُستهدف، وخصوصا انّ دويّه وانطلاق صافرات الإنذار وصواريخ الدّفاع الجوّي التي سُمعت بوضوح في ارجاء النّقب، اجبرت عشرات المستوطنين للهروع الى الملاجئ-كما وثّق مقطع فيديو أظهر حالة الهلع التي رافقتهم، وأجمع عدد كبير منهم على سماع انفجارات مدوّية "هزّت المنازل في وسط اسرائيل والقدس".
ألحدث "غير العاديّ" الذي شكّل سابقة هي الأولى في الكيان العبريّ، ودفع سريعا الى رفع حالة التأهّب في صفوف الدّفاعات الجوّية" الإسرائيليّة" واستدعاء فوري لجنود الإحتياط، وسط اقرار "اسرائيلي" بفشل اعتراض الصّاروخ السوري، طرح علامات استفهام حيال الرّسالة الايرانيّة-السوريّة -بحسب تعقيب محلّلين عسكريين "اسرائيليين"، وحدت بصحيفة" جيروزاليم بوست" الى السؤال" ماذا لو اصاب الصاروخ السوري مفاعل ديمونا"؟؟ والأهمّ.. هل هي رسالة تحذيريّة "عالية الّلهجة" من الرئيس السوري بشار الأسد الى تل ابيب، في لحظة مفصليّة بدأ فيها العدّ العكسي لانطلاق الإنتخابات الرئاسية السوريّة؟-وفق ما نُقل عن المراسل الإستخباري "الإسرائيلي" يوسي ميلمان، والذي لم يستبعد ظهور الأسد في قلب حدث استراتيجيّ مرتقب بزيّه العسكري!
وبين "ضربتّي" منشأة " تومير لصناعات الدفاع الجوّي الإسرائيلي، وصاروخ "ديمونا" السوري، فهمت "اسرائيل" الرسالة جيّدا.. في الأولى، صُوّبت اصابع الإتهام الى طهران ردّا على عمليّة "نطنز"، وذهبت فيها غالبيّة وسائل الإعلام العبريّة الى التشكيك برواية سلطات الكيان التي ارجعت سبب الإنفجار الى "خطأ في اختبار احد الصواريخ في المنشأة"، وبات شبه اجماعها على انّ طهران ارادتها "ضربة بضربة"، وبشكل اوضح: "ديمونا مقابل نطنز"..وبدا لافتا ان تسارع قناة "كان" العبرية الى طرح ما اسمته" علامات استفهام كبيرة حول انفجار المنشأة سيّما بعد تدخُّل الرّقابة العسكرية"!
"لقد تمّ بفعل فاعل"..هذا ما جاء في تقرير امنيّ تمّ تسريبه في الكيان "الإسرائيلي" مؤكدا على انّ حادث انفجار مصنع الصواريخ ليس عرضيّا كما زعمت معلومات الجيش "الإسرائيلي"..وجاء في التقرير "انه لم يحدث ان تعرّضت هذه المنشاة لانفجار عرضيّ وهي محميّة ومؤمّنة بشكل كبير، كاشفا انّ وضع الصّواعق وتجارب الإطلاق لا تتمّ اصلا في هذا المبنى، وانما في صحراء النّقب!
وإذ اوضح انّ مكان الإنفجار هو شركة صناعات الدفاعات "الإسرائيليّة" IAI الواقعة بجوار مطار بن غوريون وانّ تصويره تمّ منذ اللحظات الأولى وهو يقع على الجهة الشرقية لسحابة الدّخان، توقّف التقرير عند تدخّل الرّقابة العسكرية بشكل سريع "إذ اطبقت اغلب القنوات الأمنية أفواهها مع انّ الإنفجار لا يبعد سوى مئات الأمتار عنها كالقناة 20 العبريّة".
وعلى متن صاروخ "ديمونا" السوري اكتملت الرّسالة التي قرأتها تل ابيب جيدا، سيّما بعد إلحاقها سريعا بضربة يمنيّة جديدة سدّدتها حركة "انصار الله" في المرمى السعودي، عبر هجوم دكّ قاعدة الملك خالد الجويّة بالطائرات المسيّرة، مع التذكير بأنّ ضربات الأمس اتت بعد ايّام قليلة على استهداف مركز معلومات وعمليّات خاصّة تابع للموساد في شمال العراق، وتسبّب بمصرع واصابة عدد من القوّات "الإسرائيليّة-وفق ما اكّدت وسائل اعلام ايرانيّة، عاد موقع "انتل سكاي" ليؤكّد واقعة الإستهداف حين ذكر انّ العملية تمّ توثيقها على ان تُنشر صورها لاحقا.. وحتى اللحظة تخضع العمليّة لتكتُّم اعلامي "اسرائيلي" مُطبق فرضته الرّقابة العسكرية، وهو ما ارادته ايضا حيال انفجار منشأة تصنيع الصواريخ لولا تردّدات دويّه الضخم التي سُمعت في ارجاء المنطقة وتمّ توثيقه بكاميرات عدد كبير من قاطنيها.
الا انّ اخطر ما تعجز "اسرائيل" عن التكتّم عليه، هو قدرة الصاروخ السوري في "تهشيم" صورة قبّتها الحديدية، والوصول الى العمق الإسرائيلي.. وهو بحدّ ذاته "انجاز عسكري كبير" سيفرض نفسه كمعادلة "ندّية" من الآن وصاعدا.. وبالتالي، برز واضحا انها رسالة مشتركة من محور المقاومة" الى من يهمّه" الأمر، وهذا ما صوّبت عليه وكالات انباء ايرانية :" انّ محور المقاومة نفّذ عمليّات هامة استراتيجية متزامنة ضدّ اسرائيل والسعودية"..ولربما اهمّ ما تلقفته تل ابيب، يكمن في مضمون تقرير نشرته وكالة "رجا نيوز"، والذي اشار الى انّ صاروخ "فاتح110 " هو الذي انطلق من سورية، وهو من طراز ارض-ارض وليس ارض-جوّ كما زعم الجيش "الإسرائيلي"، مُبيّنا انّ المدى الذي يتمتّع به الصاروخ يصل الى 300 كلم، يعني انه قادر على طيّ مسافة ابعد من المنطقة التي سقط فيها، "وهذا الصاروخ لا يُخطئ هدفه" بل ارادتها دمشق رسالة تحذير قاسية، " وعلى اسرائيل ان تعلم بأنّ مراكزها الحسّاسة ليست محصّنة".
وقد يكون الأهمّ في طيّات تسريبات نقلها المحلّل "الاسرائيلي" بن كاسيبت عمّا اسماه "مصدر استخباري كبير" رجّح تطوّرات مرتقبة غير مسبوقة في المنطقة، قد يرتبط احداها بفضيحة عسكرية "مدوّية" في تل ابيب، من دون استبعاد ان يكون احد اهمّ القصور الملكيّة في السعودية، في قلب الحدث قريبا"!