أقلام الثبات
أعلن الجيش التشادي مقتل رئيس البلاد إدريس ديبي متأثرا بإصابته خلال اشتباكات مع متمردين في شمال البلاد، وإجراء انتخابات بعد فترة انتقالية تمتد سنة ونصف السنة، على ان يدير البلاد في تلك المرحلة مجلس عسكري بقيادة الجنرال محمد إدريس ديبي، نجل الرئيس الراحل.
وان كان علينا تحليل ذلك المشهد فلن نجد له وصف أفضل من كلمة "كذبة ابريل/نيسان"، فالمشهد يحمل عدة علامات استفهام وتعجب في نفس الوقت.
بداية لا يوجد رئيس دولة يشارك جيشه على جبهات القتال كمحارب، كما لا يعقل ان صاحب الـ68 عاما يستطيع حمل السلاح، بل والأدهى من ذلك أن يشارك ديبي في أعمال القتال في اليوم الأول من ولايته السادسة، والذي كان مقرراً فيه ان يلقي خطابه المعتاد للشعب، بعد إعلان فوزه رسميا بالولاية السادسة قبل مصرعه بـ24 ساعة فقط.
ثانيا، من أعلن وفاة ديبي كان الجيش وليس مؤسسة الرئاسة، وبنفس اللحظة تم الاعلان عن تشكيل مجلس عسكري وادارته للبلاد لفترة الانتقالية، برغم ان الدستور ينص على ان رئيس البرلمان هو من يتولي زمام الأمور في حال وفاة رئيس الدولة، وهذا يعني ان كل ما حدث عقب إغتيال إدريس ديبي كان معداً سلفا.
حقيقة الأمر، أن إدريس ديبي هو صنيعة الإستخبارات الفرنسية، وهي من نصبته على العرش وقامت بحمايته لثلاثة عقود، ولا ننسى كيف انقذته من الإنقلاب عليه في2006م، ثم 2008م بعد ان تواجدت القوات الفرنسية في قلب قصره بالعاصمة التشادية إنجامينا، ولم تتعرض له وسائل الإعلام الغربية برغم حكمه الدكتاتوري لتشاد، والذي تخطى ثلاثة عقود من القمع والفساد، بدَّل وغير خلالها نصوص دستور بلاده كما يغير ملابسه، كي يمهد لنفسه حكم البلاد حتى 2033م.
ما يحدث في تشاد اليوم، أمر من أثنين لا ثالث لهم، هو إما إنقلاب على باريس، أي ما حدث كان ضد رغبة باريس، أو ان باريس قررت التخلص من إدريس ديبي، وإعادة مشهد 1990م ولكن بوجوه جديدة.
اما ما يخصنا نحن، هو تأثير ذلك على دول الجوار خصوصاً ليبيا والجزائر، فالأولى أكثر من تأثر بالصراع بين ديبي والمعارضة، ويكفي أن قوات محمد مهدي المعارضة لديبي تتخذ من جنوب ليبيا مركزا لها، كما أن ديبي كان متداخلا في النزاع الليبي نفسه.
اما فيما يخص الجزائر فلم يكن لـ ديبي تأثير عليها سابقا، ولكن سيكون مستقبلا بعد وفاته، فأمر الجار الجنوبي أثار قلق أوساط كثيرة بالجزائر، في ظل تخوف الشعب من عودة العسكريين للسلطة بأي وقت، وحقيقة ما تعرض له الرئيس الجزائري في الفترة الأخيرة، بالتزامن مع ما تشهده الجزائر من عودة للحراك الثوري مجددا.
فان كان الحراك الأول دوافعه وادواته داخلية بحتة، فالحراك الثاني دوافعه تصفية حسابات داخلية وأدواته خارجية، وهنا تكمن خطورة مشهد تشاد على الجزائر.