مقالات مختارة
يبدو أن مشروع تركيب الكاميرات جنوب لبنان يمثّل أولوية في عمل اليونيفل اليوم، وكأنه الإنجاز الكبير الذي سوف يذكره التاريخ من ضمن "إنجازات" وحدات حفظ أو فرض السلام، ليس في لبنان فقط، بل عبر العالم. وربما يكون الأمر مبررًا (طبعا في مفهوم المجتمع الدولي فقط)، لأنهم يبحثون عن نجاحٍ ما، يعوّض بعضًا من فشلهم في لعب دورهم وتنفيذ مهامهم بشكل عام، كما هو مفترض في أهداف نشأة الأمم المتحدة ومؤسساتها.
في الواقع، ملفت هذا التركيز اليوم من قبل وحدات اليونيفل المنتشرة في جنوب لبنان، على تركيب سلسلة مترابطة من الحساسات الحرارية والكاميرات المستقلة أو المثبتة على أبراج مراقبة، والمرتبطة جميعها بغرفة مراقبة ورصد وتحكّم لدى غرفة عمليات قيادتها، والتي طبعًا ستكون مرتبطة بغرف المراقبة والتحكم لدى العدو الإسرائيلي، والمعنية برصد الجبهة الشمالية، الأكثر حساسية بالنسبة لهم. ويحمل التركيز على الأمر أكثر من علامة استفهام، في التوقيت أو في الموضوع أو في الهدف.
طبعًا، خلفية هذا المشروع ليست كما يدّعون، بأنها تندرج تحت عنوان التقنيات أو الإجراءات الفنية الأساسية، والتي يفترضها تنفيذ مهمتهم استنادًا لمندرجات القرار 1701، ولو كان الأمر صحيحًا، فلماذا انتظروا أكثر من 15 عامًا لإكمال التقنيات المفترضة لتنفيذ مهمتهم تطبيقًا للقرار المذكور، وهم الوحدات التابعة لأكثر الجيوش العالمية تطورًا وخاصة الأوروبية منها والمعروفة بتميّزها بالتجهيز بشكل واسع بمنظومات الاتصالات والمراقبة الإلكترونية والتصوير الحراري؟
يرجع السبب الأساس في ذلك الى حاجة عملانية - استعلامية اِستَجَدّت لدى اليونيفل، واستجدت طبعًا كذلك لدى مجلس الأمن، وحقيقتها عمليًا، حاجة العدو الاسرائيلي الماسة والطارئة لما يمكن أن تؤمنه هذه الكاميرات أو الآلية "التقنية - الفنية" للمراقبة والرصد، من معلومات دقيقة عن حركة المقاومة على الشريط الحدودي بشكل كامل، وحتى داخله شمالًا، في عمق الأراضي اللبنانية بضعة كيلومترات، والتي هي من ضمن مدى عمل هذه الكاميرات الفعالة والمتطورة.
لماذا يعتبر تركيب منظومة الكاميرات والحساسات في الجنوب، حاجة استجدّت اليوم لدى كل هؤلاء: لليونيفل ولمجلس الأمن وللعدو الاسرائيلي؟ فامتلاك وحصول هؤلاء جميعًا على المعلومات الخاصة ببقعة عملهم (لليونيفل)، وببقعة اهتمامهم وتركيزهم (للعدو الاسرائيلي)، من المفترض أن يكون أساسيًا وفي صلب التعليمات الدائمة لمنظومة عملياتهم الميدانية والاستعلامية بشكل دائم وليس بشكل طارىء، وما هو الفارق أو المستجد اليوم الذي تطلب هذا التعديل في امتلاك تلك المعطيات وبالشكل الذي من الممكن أن تؤمنه لهم سلسلة المراقبة المقترحة؟
الفارق بين اليوم والأمس يمكن وضعه ضمن النقاط التالية:
أولًا: التطور الكبيرالذي طرأ على قدرات المقاومة، و"طرأ" هي عبارة تخص العدو فقط، لأنه بالنسبة للمقاومة هذا التطور لم يطرأ فجأة، بل هو نتاج عمل دؤوب مخطط له ومنظم ودقيق، كلّفها الكثير من الصبر والشهداء والسهر والتركيز وفي أصعب الظروف الميدانية والجغرافية وما شابه. واستطاعت في ذلك العمل الدؤوب، تجاوز وافشال استراتيجية العدو في "معركة بين الحروب"، والتي هدفت إلى تقويض قدرات وأسلحة المقاومة النوعية، ومنعها من زيادتها ومن تطويرها، هي اليوم تملك كل ما يمكن ان يشكل عنصرا من عناصر الردع وتوازن القوة بمواجهة العدو، بشكل تخطى، وباعتراف العدو نفسه، قدرته على ضبط أو معالجة أو تقييد وتخفيف تأثيرات تلك القدرات النوعية عليه.
ثانيًا: كما يبدو، اعترف العدو، بطريقة غير مباشرة طبعًا، بفشله في امتلاك ما يريد من معطيات استعلامية عن المقاومة وخاصة في جنوب لبنان أو على حدود فلسطين المحتلة الشمالية مع لبنان، عن حركتها وأسلحتها وعن مناورتها الدفاعية أو الهجومية الاستباقية، وذلك بعد عجز وسائله المختلفة في المراقبة والرصد عن تأمين هذه المعطيات، من مراقبة جوية عبر الطائرات المسيرة، والتي أصبحت حركتها مقيدة أكثر من السابق، أو من العملاء أو الجواسيس، والذين كما يبدو أصبحوا عاجزين عن الحركة المعتادة وتأمين كل ما يريده العدو من معلومات.
ثالثًا: فشلت وحدات اليونيفل في توجيه وحَرف مهمتها "العلنية الظاهرة" تبعًا لقرار مجلس الامن 1701، لتكون عمليًا بهدف تقييد حركة المقاومة العملانية، وذلك من خلال محاولات تغيير قواعد الاشتباك أو محاولات تغيير بروتوكول التدخل والانتشار ونظام عمل الدوريات ومسالكها ومهماتها، ولم تنجح في أي من تلك المحاولات، بسبب رفض الجيش اللبناني والسلطات الرسمية لذلك، وطبعًا بسبب موقف الأهالي والمقاومة الرافض أيضًا لذلك بشكل قطعي.
اليوم تعمل قيادة اليونفيل، ومن خلال مشروعها المشبوه المقترح لنشر منظومة الكاميرات والحساسات في جنوب لبنان، الى محاولة تعويض ما فاتها وفات العدو الاسرائيلي من معطيات استعلامية عن المقاومة وحركتها وقدراتها ومناورتها، فهل تنجح في مشروعها وتكون بذلك قد ساهمت وبشكل رئيسي في افقاد لبنان حزمة كبيرة من نقاط قوته في الردع بمواجهة العدو الاسرائيلي؟ أم أنها سوف تفشل بذلك بعد أن تتوحد بمواجهة مشروعها المشبوه وبرعاية الحكومة والسلطات اللبنانية الرسمية، جميع القوى الفاعلة؟
شارل أبي نادر ـ العهد
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً