الكونغو ومعركة الاستقلال الاقتصادي ـ فادي عيد وهيب

الخميس 15 نيسان , 2021 12:29 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كان الملك ليوبولد الثاني (ملك بلجيكا 1865م الى 1909م) أكثر زعماء أوروبا أهتماما بالقارة الأفريقية في تلك الحقبة، والأكثر استكشافا لما داخلها سواء ما يسير فوق أراضيها أو ما في باطنها، بوقت  كانت فيه ملامح القارة الأفريقية غير واضحة سواء للأوروبيين أو لأبناء القارة السمراء أنفسهم.
فبدأت أعين ليوبولد الثاني تدقق فى تفاصيل منطقة حوض نهر الكونغو ومن هنا جاء أهتمامه بتطوير تلك المنطقة لتظهر لنا دولة الكونغو عام 1885م، التى تبلغ مساحتها 80 مرة اكثر  من مساحة المملكة البلجيكية، فضمها الملك، لبلجيكا بمساعدة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، لكى يكون أسمها الكونغو البلجيكي قبل أن تصبح بالأسم المعروف حاليا بكونغو كينشاسا، وأرسل الملك ليوبولد الثاني البعثات الكشفية والمستكشفين، وبدأ يتضح للعالم أن هناك قارة جديدة وسلالات جديدة تأخذ دورها في الحضارة العالمية.
كان للملك ليوبولد أطماع إستعمارية في الكونغو.
وبعد أن تفتحت عيون دول أوروبا على دولة الكونغو حرصت المانيا إلا ينجر الأوروبيون فى صراع عسكرى بأدغال أفريقيا ولذلك تم عقد مؤتمر برلين وقتها، فجاءت أهم نتائج ذلك المؤتمر بإنشاء "الهيئة الدولية لإستكشاف أفريقيا"، وادخال الحضارة فيها، وتقرر أن تقوم في كل دولة شعبة محلية تابعة لهذه الهيئة فبادرت بلجيكا بتكوين الشعبة البلجيكية، أما الشعبة الفرنسية فكان على رأسها المستكشف الفرنسي الشهير ذي الأصول الايطالية بيير سافورنيا دو برازا. 

 

خريطة استعمار افريقيا

وأدى تسابق فرنسا وبلجيكا على الكونغو إلى بداية تناحر بين الدول الأوروبية وسعى الوزير الألماني  بسمارك  لعقد مؤتمر برلين لحل مشكلة الكونغو، وعقد المؤتمر  ما بين( 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1884 الى 26 فبراير /شباط  1885 )وحضر المؤتمر أربع عشرة دولة منها خمس دول كان لها النصيب الأكبر في أبتلاع ثروات القارة الأفريقية، والدول الخمس هي ألمانيا وبريطانيا والبرتغال وفرنسا وبلجيكا، ولعب بسمارك دورا كبيرا في الموازنة الدولية بين تلك الدول فقد أدرك بأنه لابد من منع تصادم الدول الأوروبية، وأن إستعمار أفريقيا لابد وأن يتم دون صدام مسلح، وأن يتم تقسيم الغنيمة الأفريقية في إطار وسياق مؤتمر دولي وليس الخوض فى معارك حربية لذلك كانت الدول الأوروبية مقتنعة إلى حد كبير بجدوى هذا الأسلوب الدولي ونجحت فكرة عقد المؤتمر.
الى أن نالت الكونغو حريتها السياسية وأستقلالها بعد كفاح مرير ضد الاستعمار البلجيكي بقيادة المناضل  باتريس لومومبا زعيم الحركة الوطنية الكونغولية والذي فاز بأول انتخابات نيابية حرة، ثم توالت الأعوام وما جاء بها من إنقلابات وأضطربات لا أول لها ولا أخر، لتنعم   الكونغو ببعض من السيادة    وتذوق طعم الهدوء والاستقرار بعد عقود من الإضطرابات.

 

خريطة الكونغو

ولكن  الكونغو  ما زالت تبحث حتى يومنا هذا عن حريتها وأستقلالها الأقتصادى، فأقتصاد دولة الكونغو يعتمد بنسبة 95% على الدولار، فالعملة الأمريكية تمثل أهم كتلة نقدية متداولة في هذا البلد متقدمة على عملات البلدان المجاورة مثل الكوانزا الأنغولية والفرنك الإفريقي واليورو أيضا.
كما أن المناخ الأقتصادي الكونغولي يشكل مناخا ملائما لعمليات غسيل الأموال، ويساعد على إفقار البلاد أكثر وأكثر بما يخدم خزينة أحتياط المصرف الإتحادي الأميركي  الذي يجني من الأوراق المتداولة بالكونغو الديمقراطية عوائد سيادية تقدر بستمائة مليون دولار أميركي  سنويا.ولا نستطيع أن نغفل صحوة مؤيدى أستقلال الأقتصاد الكونغولي في الفترة الأخيرة والذي بات منهم من يعول على قيام المصرف المركزي للكونغو عبر عملية إصلاح عميقة للقطاع المالي وللعملة الوطنية بهدف إرساء قاعدة نمو أقتصادي مستدام، لكن الأمور لم تنتقل بعد الى أرض التنفيذ بالشكل المنتظر والمرجو من  قبل الشعب الكونغولي.
فقد هبط اقتصاد جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل مفاجئ منذ منتصف الثمانينات أي بعد حصولها على الأستقلال عام 1960م، وكانت الكونغو ثاني أكبر الدول الصناعية في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا حيث كانت تتميز بتطور قطاع التعدين والزراعة، ولكن جاءت حرب الكونغو الأولى والثانية عام 1996م لتساهم في تقليل المنتجات الوطنية والعائد الحكومي وما ترتب عليه من زيادة الدين الخارجي، وسقوط ملايين الضحايا جراء المعارك الأهلية الطاحنة، وسقط وقتها معظم الضحايا بسبب المجاعات وتفشي الأمراض.فبالأمس كانت جمهورية الكونغو تبحث عن أرادتها الحرة، واليوم هي تبحث عن فرص لنهوض أقتصادها الوطني ، فالكونغو التى تعد واحدة من أفقر دول القارة السمراء والعالم مع انه  لديها ثروات تجعلها فى مقدمة دول العالم  ، كما أن أوروبا مازالت تنظر اليها كمنجم للثروات ،علما ان  باب كينشاسا الواقع بقلب القارة الأفريقية ليس مفتوحا كفاية سواء لمستثمرين من الخارج أو  الداخل، في ظل  الإضطرابات السياسية التي  تلعب دورا  أساسيا  فى عدم خروج الكونغو من المتاهات.
فدولة الكونغو تملك كل الفرص لصناعات التعدين في الماس والذهب والنحاس والكوبالت والكولتان والزنك والأسمنت الى جانب معالجة المعادن، وهي جميعها صناعات يسيل لها لعاب كبرى شركات الصناعة والتنقيب والتعدين في أوروبا والولايات المتحدة و كذلك البرازيل التى باتت مؤخرا تتوغل فى مجال التنقيب والتعدين بأدغال القارة السمراء.
وما لا يعلمه الرأي العام العربي غير المهتم بأفريقيا في وقت تتسابق فيه الدول الكبرى وكيان الإحتلال الصهيوني للسيطرة على حكومات دول أفريقيا، وتجنيد أنظمة هناك، بأن إحتياطيات المواد الخام غير  المستغلة بالكونغو وحدها تقدر بأكثر من 24 تريليون دولار.
لذلك نقول أن دولة الكونغو وغيرها من الدول الأفريقية الغنية بالموارد تتطلع لمستقبل جديد في كل يوم يمر عليها، ولكن مازلت لا تعرف الطريق الصحيح وسط الضباب السياسى الذي تعيشه حتى الأن، ال جانب وجود بقايا الاستعمار الاقتصادي هناك كحال باقي دول أفريقيا، فالدراجة لا تسير ولا تتقدم نحو الأمام بعجلة واحدة، بل بعجلتي الأقتصاد والسياسة معا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل