أقلام الثبات
ان الفكرة الأولى التي تتصدر مشهدية الصيام في شهر رمضان المبارك هي مسألة الصيام عن المأكل والشراب ما بين اذاني الفجر والمغرب، أي ما يتعارف عليه بفترة "النهار" او زمن الضوء بين العتمتين (الفجر والمغرب) وهذا صحيح في عنوانه العام، لكنه منقوص ومبتور،حيث يتعامل الانسان مع الصيام بشقه المادي (الغذاء) ويغفل او يتجاوز عن شقه الروحي العبادي الذي يتساوى مع الشق المادي لكنه غير محسوس، لأن المفطرات بعضها مادي ومحسوس وبعضها معنوي وعقدي غير محسوس ماديا لكنه محسوس وموجود عقليا .
ان المفطرات وفق المشترك العقدي للمذاهب الإسلامية تتمثل بالعناوين العامة التي يلحق فيها بعض التفاصيل والسلوكيات والتي تختلف الأحكام فيها بين مذهب وآخر لكن المشترك الأساس وفق امرين :
- المفطرات المادية (الأكل والشرب.والشهوة وملحقاتها )
- المفطرات العقدية والسلوكية: (تعمّد الكذب على الله سبحانه أو على رسوله الأكرم (ص).
واذا كانت المفطرات المادية واضحة وظاهرة وملموسة فإن المفطرات العقدية لا يمكن التثبت منها ماديا بل سلوكياً فالكذب والخداع والغش بما لا لم يامر الله به، بل امر بخلافه ودعا الى الرحمة بالمؤمنين وبالعالمين ومساعدتهم والمبادرة للخير والكفالة والتعاون كمجتمع متماسك كالجسد الواحد وفق الحديث النبوي الشريف فلا يمكن للصيام ان يكون صحيحا ًدون تكامل بين الصيام الحقيقي بشقيه المادي والعقدي ومن هنا كا ن الحديث النبوي للتنبيه من هذا الفخ الخاسر فيقول (رب صائم لم ينل من صيامه إلا الجوع والعطش …) فلا يكون الصيام القرآني صحيحا لرجل سياسي يمتنع عن نصرة الحق بل يمكن ان يؤيد الباطل فهذا من المفطرات العقدية التي يمكن ان لا يعرفها البعض كذلك فإن الاحتكار او الغلاء والربح الفاحش في المواد الأساسية والضرورية للحياة يعتبر خرقا وخدشا ان لم يكمن مبطلا للصيام ،حيث يؤدي الى عدم قدرة الناس على الشراء او تامين الأكل الصحي اللازم للصيام فيصيبها المرض او يدفعها للإفطار نتيجة العوز خاصة اذا كانت على ضفاف الإلتزام العقدي والديني ولا تستطيع الصبر فتكون مسؤولية التاجر كبيرة بالشراكة او الضغط عليها ابتغاء الربح فيبعدها عن طاعة الله والقيام بواجباتها وهذا لا يعفيها من العقاب والسؤال الإلهي لكن لا يعفي التاجر او المحتكر وحتى القادر عن المساعدة وغير المسؤول عن اعالتها بالمعطى العرفي والقانوني لكنه مسؤول عن المساعدة بالمعطى الديني والإنساني ويقول رسول الله الأكرم(ص) (ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ).
هناك إشكالية ظاهرة تسيء الى المجتمع الإسلامي وتظهر الهوة الخطيرة بين القول والفعل فبدل ان ترحم الناس بعضها في شهر رمضان وتنزل الأسعار،نراها ترفع الأسعار بشكل غير مبرر حتى يكاد استهلال شهر الصيام يكون بنشر لائحة الأسعار العالية والمتوحشة لنعرف بداية الصيام في مشهد مقلوب لما تقوم به بعض السلطات والمؤسسات في الدول غير الإسلامية بحيث تقدم تخفيضات استثنائية على الأصناف التي يتناولها المسلمون الصائمون كتعبير عن التضامن والمؤاخاة الإنسانية ..!!
ان من مبادئ شهر الصيام ان نقلّل الطعام والشراب لتذوق الجوع وممارسة دورة تدريبية في الزهد والتقشف وزيادة اعمال العبادة والتعبد والثقافة الدينية، لكننا نفعل العكس، فنزيد المأكل والمشرب والكماليات والحلوى ونقلل العبادة بسبب التخمة ليلا والتعب والجوع نهارا ونكثر من حضور المسلسلات التي في اغلبها تسيء لمفاهيم الصيام والأسس الدينية فيتحول شهر رمضان من شهر التوبة والإستغفار والزهد والتربية الذاتية الى شهر ارتكاب المعاصي وخسارة الربح من الرحمة الإلهية المفتوحة طوال الشهر لمحو ما اقترفناه من ذنوب في ما سبقه من الأيام والشهور .
تقبل الله صيامنا وصيامكم وكل عام وانتم بخير .