الثبات - إسلاميات
صوم الخواص
"صيام القلب"
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، هل يصوم القلب؟
نعم يصوم، فإذا صام القلب صيامه الصحيح، صامت كلّ جوارح الإنسان، ووصل المؤمن بهذا الصيام إلى درجة الكمال، لأن المقصود الأسمى من الصيام هو تهذيب الجوارح والأعضاء لتحقق تقوى الله سبحانه وتعالى فيبتعد الإنسان الصائم عن كلّ ما يفسد صيامه وعبادته في رمضان.
يقول الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن 11]، لأن هداية القلب أساس الهداية، وصلاحه صلاحٌ وتقويمٌ لكلّ الجوارح، قال عليه الصلاة والسلام: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" رواه البخاري ومسلم،
وصيام القلب ليس له وقتٌ محدد، فإن القلب يصوم في رمضان وفي غيره من الأيام، إلا انه في رمضان أحرى بالعناية والاهتمام كيلا يفسد صيام صاحبه، وحتى لا تعتريه التقلبات والفتن، ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك".
قلب المؤمن يصوم عن السِّوى، فلا تجد فيه إلا محبّة الله تبارك وتعالى، فهو راضٍ عن الله، مطمئنٌّ بذكر الله، مذعنٌ لمشيئة الله، غير متسخّطٍ ولا متذمّر، يمتنع عن العُجب والتكبر والحسد، فنوره المتوقّد لا يمتزج مع ظلمة الأخلاق السيئة والخصال الرديئة.
الصيام عن العجب
العجب هو نسبة الكمال للنفس فلا يرى فيها صاحبها عيباً ولا نقصاً، ويتصور أن ما عنده من المحاسن يستحيل على أحدٍ أن يأتي بمثلها، فيحتقر الناس من حوله، ويرميهم بالتقصير دوماً، فلا يصلح للعيش على هذه الأرض إلا هو! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ مهلكات، إعجاب المرء بنفسه وشحٌّ مطاعٌ وهوىً متّبع".
الصيام عن التكبر
والتكبر هو التعالي على الناس وتبرئة النفس من الأخطاء فلا يقبل المتكبّر نصيحةً ولا تصويباً، لأن أحداً لا يستطيع تقييمه ولا إرشاده!
يقول الله تعالى في الحديث القدسي: "لكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني فيهما عذّبته"، وقد قال صلى الله عليه وسلّم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبةٍ من كِبرٍ".
الصيام عن الحسد
والحسد في حقيقته تمني زوال النعمة عن الغير، لأن الحسود يعتقد أنه لا ينبغي لأحدٍ أن ينال نعمةً إلا هو، فتراه ينزعج عندما يرى أثر النعمة على غيره من الناس، وهذا لضعفٍ في الإيمان، لأن المؤمن الحق يعتقد أن الله تعالى هو مالك الملك ومقسّم الأرزاق، قال صلى الله عليه وسلّم: "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب".
وهكذا يطهّر المؤمن في رمضان قلبه ليستقبل نور الهداية وأثر الطاعة، وليستقيم صيامه فيفوز به يوم يلقى الله تبارك وتعالى.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.