سلسلة وحي القرآن الكريم | في رحاب سورة البقرة .. "ثم قست قلوبكم!"

الخميس 01 نيسان , 2021 11:57 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

 

سلسلة وحي القرآن الكريم

في رحاب سورة البقرة

"ثم قست قلوبكم!"

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الله تعالى في سورة البقرة:

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

توالت الآيات والمعجزات التي أراها الله تعالى لقوم موسى عليه السلام، من طوفانٍ وجرادٍ وقُمَّلٍ وضفادع ودم، وإنّ فيها لدلالة واضحة على قدرة الله تعالى، حيث كانت تصيب المكذبين بموسى ولا تصيب المجاورين لهم مع قرب المسافة منهم، فهذه الدلالة على القدرة الإلهية لا يستطيع عاقلٌ إنكارها، لأنها مستندة إلى الحس والمشاهدة، أضف إلى ذلك بعض المعجزات الباهرة المحيّرة للعقول، كضرب الميت بجزء من البقرة وحياته وإخبار قومه بمن قتله .

لكننا ندرك نتيجة كثرة الآيات، مدى قسوة قلوبهم، التي بلغت في قساوتها الحجارة أو أشد، لأنَّ في الحجارة ثلاث صفات لا تتصف بها قلوبهم: تفجّر الأنهار، وخروج الينابيع، وتصدعها من خشية الله،

فحروج الماء وتفجر الأنهار وما يصيب الحجارة من هبوطٍ لخشية الله تعالى، يدلّ على أن قلب الإنسان إذا لم تخالطه بشاشة الإيمان أضحى أقسى من الحجارة، وأنه بحاجة إلى نورٍ من الله ينوّر بصيرته، ويقوّم ما اعوجَّ من أخلاقه، ولا يتمّ له ذلك إلا إذا شعر أنه مراقَبٌ تحصى عليه أعماله، كبيرها وصغيرها، لا يخفى على الله منها شيئ، ويعينه على ذلك الاتعاظ بأخبار من سبق، لأن السعيد من اتعظ بغيره.

عن ابن عباس رضي الله عنه: لما ضُرِبَ المقتول ببعض البقرة جلس أحيا ما كان قط، فقيل له: من قتلك؟ فقال: بنو أخي قتلوني، ثم قُبِض، فقال بنو أخيه حين قبض: والله ما قتلناه، فكذبوا بالحق بعد إذ رأوا، فقال الله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}.

إنَّ من يتمرس على المعاصي يقسو قلبه وتعمى بصيرته فلا يميّز بين الخير من الشر، فقد أكرم الله تعالى بني إسرائيل فبعث إليهم موسى عليه السلام وأنزل عليه كتاباً فيه هدىً ونور، وأرسل بعده رسلاً يؤكدون على ما جاء به، ويدعون إلى طاعة الله ومخالفة الهوى، فما جاءهم نبيٌّ إلا تكبروا عن قبول دعوته فكذبوا بعضاً من الرسل، وقتلوا آخرين بدمٍ باردٍ وإصرارٍ على الباطل، معتقدين أن قلوبهم ممتلئة علماً لا مكان فيها يتسع لمزيد، والحق أن الله تعلى طردهم من رحمته بسبب كفرهم فلا سبيل لوصول الإيمان لقلوبهم.


وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل