سلسلة وحي القرآن الكريم | في رحاب سورة البقرة .. "تحويل القبلة"

الخميس 25 آذار , 2021 12:25 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات – إسلاميات

 

سلسلة وحي القرآن الكريم

في رحاب سورة البقرة "تحويل القبلة"

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الله تعالى في سورة البقرة:

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ  قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}

طافت بنا سورة البقرة المباركة في نفوس البشر، فأرتنا خفاياها وخباياها، وتبين لنا أنَّ أهل الباطل لا يثبتون على حال، ويتقلبون في آرائهم حسب أهوائهم ومصالحهم.

ولّمَّا كان إبراهيم الخليل أبا الأنبياء، وهو الذي رفع قواعد البيت الحرام، كان النبي صلى الله عليه وسلم في شوقٍ أن يتجه إلى الكعبة المشرفة في صلاته وتكون قبلةً له، فكان ينتظر أمر الله تعالى في ذلك، ينظر إلى السماء وكله أمل ويقين، والناس حديثو عهد بإسلام، واليهود يشككونهم في دينهم ويثيرون الشبهات والأباطيل لصرف المسلمين عن دين محمد، لتبقى راية الجهل والضلال والأوثان مرفوعةً في جزيرة العرب.

ولقد بيَّنت الآيات الحكمة التي من أجلها أمر الله الله المؤمنين بالتوجه إلى بيت المقدس ثم إلى الكعبة المشرفة، حيث قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي ليظهر فضل المطيعين والمتبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما حزن بعض المؤمنين على وفاة أقربائهم وهم يستقبلون بيت المقدس قبل تحويل القبلة، طمأنهم الله تعالى قائلاً: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي ثواب صلواتكم التي توجهتم بها إلى بيت المقدس، فخففت هذه البشارة من حزن المؤمنين وطيبت خواطرهم، وختم الله الآية بقوله: {ِإنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} دلالة على رحمة الله تعالى بجميع عباده سواء من مات منهم قبل تحويل القبلة أو من بقي منهم حيّاً وتوجه في صلاته إلى الكعبة المشرفة.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل في مكة بيت المقدس والكعبة معاً في آنٍ واحد، يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فيصلي في الحرم بين الركنين الأسود واليماني، فلما هاجر إلى المدينة صعب عليه أن يفعل، لأنَّ المدينة المنورة في نقطة بين القبلتين، فمن يستقبل إحداهما يستدبر الأخرى، فكان صلوات الله وسلامه عليه يتمنى من ملئ قلبه أن يوجهه الله تعالى إلى الكعبة، لكنه لم يطلب ذلك بلسانه حياءً، إنما كان يكفيه أن ينظر إلى السماء يتحول بنظره من جهة إلى جهة شوقاً إلى استقبال الكعبة، إلى أن جاءه الفرج بالأمر الإلهي على رأس ستة عشر شهراً من هجرته: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، فأمره الله أن يتجه ومن معه من المؤمنين إلى الكعبة المشرفة في صلواته أين كان، في طيبة المباركة أو في أي مكان من الأرض، وبيَّن له تعالى أنَّ أهل الكتاب يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم على هدىً ورشاد، {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} لكن عنادهم وتكبرهم أوصلهم إلى عدم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فآل بهم حالهم هذا إلى الضلال والهلاك {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل