الثبات - إسلاميات
سلسلة وحي القرآن الكريم
في رحاب فاتحة الكتاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سورةٌ عظيمةٌ ومعانيها جليلة، أسماؤها متعددةٌ وفضلها لا يحدّه أفق، ليست عظيمةً لأنَّ المسلم يرددها في صلواته الخمس كل يومٍ فحسب، إنما عظُمَ فضلها لشرف ما تضمنته من معاني التسليم والإنقياد لله تعالى بالعبودية والتذلل له سبحانه.
ورد في سبب نزولها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع منادياً يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هارباً، فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك، فلما برز سمع النداء: يا محمد، فقال: لبيك، قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، ثم قال: قل (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) حتى فرغ من فاتحة الكتاب.
وعن الفضيل بن عمرو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنزٍ تحت العرش، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقرأ عليه أبي بن كعب أم القرآن - فقال: "والذي نفسي بيده، ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، إنها لهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته".
وسميت الفاتحة وأم الكتاب والشافية والوافية والكافية والأساس والحمد والسبع المثاني والقرآن العظيم كما ورد في صحيح البخاري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد بن المعلّى: "لأعلّمنّك سورة هي أعظم السور في القرآن: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته".
وهي مكية وآياتها سبع بالإجماع، وسميت الفاتحة لافتتاح الكتاب العزيز بها فهي أول القرآن ترتيباً لا تنزيلاً، وهي على قصرها حوت معاني القرآن العظيم واشتملت مقاصده الأساسية بالإجمال فهي تتناول أصول الدين وفروعه، العقيدة، العبادة، التشريع، الاعتقاد باليوم الآخر والإايمان بصفات الله الحسنى وإفراده بالعبادة والاستعانة والدعاء والتوجه إليه جلّ وعلا بطلب الهداية الى الدين الحق والصراط المستقيم، والتضرع اليه بالتثبيت على الإيمان ونهج سبيل الصالحين، وتجنب طريق المغضوب عليهم والضآلين.
قال الله تعالى في الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، قال: مجَّدني عبدي، وقال مرة: فوض إليَّ عبدي، فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".
يتبع..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.