مقالات مختارة
يبين القرآن الكريم في مشهد من مشاهد الحوار والصراع بين موسى وهارون من جهة وفرعون وملئه من جهة أخرى أن الطغيان لا يمكن أن ينحسر عن الواقع وقهر الناس بالموعظة الحسنة لما يراه لنفسه من قوة في السلطة والمال وطاعة عمياء، وقد أثبتت التجارب ذلك، إذ لم يثبت أن طاغياً ارعوى عن ظلمه بالحوار أو بالسماع لدعوة الحق، أو بالاستجابة لمطالب الناس، وهذا ما عرض له القرآن في سورة الأعراف، فهو يأتي على مشهديةحوار بين النبي موسى عليه السلام وفرعون أعقبها صراعاً محتدماً أظهر الله فيه وجهة الحق، سواء بالعصا واليد البيضاء، أو بخروج السحرة أمام الملأ، وكانت النتيجة مزيداً من العناد والطغيان: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحىِِ نساءهم وإنا فوقهم قاهرون}، وهكذا نرى أن القرآن يقدم لنا دروساً وعبراً لفهم حقيقة الطغيان وكيفية مواجهته، بحيث يهتدي الناس إلى السبل الكفيلة بالقضاء عليه، او للحد من وطأته.
ونحن في زماننا هذا نواجه هذا الطغيان الذي لا يختلف في شيء عما عرض له القرآن في الطغيان الفرعوني، بل يكاد يفوقه طغياناً لما يملكه من وسائل وتقنيات للقتل والإجرام، كما أنه لا يتميز عنه في شيء لجهة خطاب القهر والاستعلاء! والذي يظهر جلياً من النص القرآني أن الناس لم يتركوا هملاً ، بل جاء التوجيه لهم ليكونوا على بصيرة مما يجري،فقد وعظهم موسى عليه السلام ودعاهم إلى الصبر بعدما رأوه من دور للسحرة في الإيمان والجرأة، ولكنهم لم يتعظوا بما جاء به موسى عليه السلام من معجزات، ولا بما قدمه السحرة من خطاب صادع بالحق ضد فرعون وملئه، فاستمروا على ضعفهم بسبب تمكن السفاهة والاستخفاف من عقولهم وقلوبهم!وهذا ما كان يراهن عليه فرعون دائماً لتقوية سلطانه وقاهريته في حكمه للناس، وفي المقابل كان النبي موسى عليه السلام يستمع لخطاب السحرة ويرى فيه عوناً له في فك رقاب القوم من الاستبداد، فقال لقومه: {استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}، فما كان منهم إلا أن : {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}،فالناس رغم كل ما رأوه من معجزات من موسى عليه السلام والسحرة لم يستمعوا جيداً لخطاب الصبر، وجاء جوابهم من وحي سفاهتهم وخوفهم من فرعون وملئه؛ ولكن الله تعالى لم يترك الناس هملاً لوجود القائد الرباني بين ظهرانيهم،إذ لا تخلو أمة من نذير أو هاد يدعو الى سبيل الرشاد..
لقد سمعنا مؤخراً بخطاب الصبر في مواجهة الطغيان الأمريكي الصهيوني بنكهته الإسرائيلية والعربية، وهو صبر كما نعلم جميعاً سبقته معجزات إلهية وحوارات لمن تكون الغلبة، وقد رأى الناس بأم أعينهم كيف أن الفرعونية الجديدة قد انحسرت في أكثر من مكان في العالم تحت وطأة الحق والثقة بالله تعالى:"فهل نقول لموسى عصرنا ومهدي أمتنا وقائد محورنا المقاوم :"أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا!!؟"، أم نستمع لخطاب الصبر طالما أن السحرة قد ظهروا في أكثر من ساحة عربية وإسلامية؟.إنها دعوة للصبر في جو الصراع المحتدم ومن مكامن قوة يخشاها الطاغوت فعلاً،فلا بأس أن يطمئن الناس الى أن كلام الهدى ظاهر في معنى الاستخلاف لينظر الله كيف تعملون، ونقول لا ينبغي أن نستعجل أبداً تحت وطأة الحصار وحرب العملات والتلاعب بالأسعار في ظل أمل كبير أن يؤخذ الطاغوت من حيث لا يدري، فها هو يستدرج من بحر الصين الجنوبي،ومن كل مكان يسابقه فيه طاغوت آخر يخشاه على قوته وموقعه في العالم!؟إن الله لم يترك السحرة بعدما اختاروا الحرية والموت على الاستخفاف كما أنه لم يترك موسى عليه السلام في حمأة الصراع، فأخذ فرعون بالسِنينَ والقحط وبأنواع من العذاب ليرث بني إسرائيل الأرض لينظر كيف يعملون !
إنها مشهدية صادعة فعلاً تجعل كل مقاومة للباطل والطاغوت واثقة من أن نصر الله تعالى سيكون حليف من يستظل به قولاً وفعلاً؛فلم يعد يجدي أبداً أن يقول فراعنة عصرنا الصغار والكبار: {إنا فوقهم قاهرون}. بعد قهر هؤلاء من طنجة إلى جاكرتا،حيث نجد خطاب السحرة يطل من كل مكان متفاعلاً بكل قوة مع خطاب النبوة في فضاء القدس وفلسطين.فالخطاب هو خطاب الصبر وقوة اليقين،وغداً سنرى كيف يؤخذ طاغوت عصرنا بأنواع العذاب وبأيدي المؤمنين،كما قال تعالى: {فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}.
وإن غداً لناظره لقريب.
والسلام
فرح موسى