الثبات - إسلاميات 

سلسلة نداء الله للذين آمنوا 

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا}

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مبِينٌ}

 يأمر الله تعالى عباده المؤمنين في هذه الآية بطيب المأكل، لأنَّ لخبث المطعم أثراً سيئاً على الإنسان ولو لم يكن من ذلك إلا عدم قبول دعائه لكفى، فإنَّ العبد ليس له غنى عن سؤال ربه والتضرع له فكل خيرٍ من الله تعالى واصل، وإنَّ الله قد أغنى المؤمنين بحلاله عن حرامه ونوّع لهم أصنافه وسهل عليهم سبل تحصيله، فما حرم عليهم شيئاً من الخبائث إلا وقد أباح لهم من الطيبات ما هو خير منه وأكثر، وإنَّ منهجية الشرع في الأطعمة كمنهجيته في جميع العبادات، منهج السماحة والحفاظ على سلامة الأرواح والأبدان والعقول، فيبيح الطيبات من الأطعمة النافعة للأبدان والعقول، ويحرم الخبائث الضارة للأبدان والعقول.

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم-يقول: "إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور متشبهات لا يعلمهن كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. ألا وإن لكل ملك حمىً ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". رواه البخاري ومسلم.

ومعناه أن الحلال واضحٌ وظاهر، وكذلك الحرام، وبين الأمرين أمور تُشكِل على كثير من الناس هل هي حلالٌ أم حرام؟

وموقف المسلم من هذه الأقسام الثلاثة أن يأخذ الحلال ويترك الحرام ويتوقف في المشتبه حتى يتبين له حكمه صيانةً لدينه وعرضه، لأن تناول المشتبه يجر إلى تناول الحرام بالتدريج،  روى الحافظ ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "تُلِيَت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً}، فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به)،

 وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان لأبي بكر رضي الله عنه غلام يخرج له الخراج. وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ فقال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحسِن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني لذلك هذا الذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه".                                                                                                                                                                                      

وروى الإمام أحمد وغيره من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يكسب عبداٌ مالاً حراماً فيتصدق به فيقبل منه. ولا ينفق منه يبارك له فيه. ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله تعالى لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيّيء بالحسن. إن الخبيث لا يمحو الخبيث".

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.