مقالات مختارة
أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الثلاثاء، عن "خطة عمل شاملة تهدف إلى إجراء إصلاحات واسعة في المجال القضائي وحقوق الإنسان"، وقال "إن الخطة تهدف إلى تعزيز الحريات الفردية والعامة، وتأهيل الكوادر القضائية والقوى الأمنية، وتدريبها في مجال حقوق الإنسان، وصولاً إلى صياغة دستور ديمقراطي جديد للبلاد".
جاء ردّ المعارضة سريعاً على خطّته، وقال زعيم حزب "الشعب" الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، إنها "حبر على ورق، وتعدّ بعيدة كل البعد عن الجدية، وهناك تناقض واسع وشاسع بين ما يقوله إردوغان ويفعله". وأضاف: "إنه يتحدث عن الإصلاحات في مجال القضاء، وهو الذي قضى على استقلاليته ودمرها، وعيّن أعضاء حزبه المحامين قضاةً، وعيّن وكيل النيابة العامة في إسطنبول عضواً في محكمة التمييز العليا، وأمر أعضاءها بانتخابه عضواً في المحكمة الدستورية العليا، من دون أن يخدم، ولو ليوم واحد، في محكمة التمييز".
وأشار كليجدار أوغلو "إلى التوقيت الزمني للخطة التي أعلنها إردوغان"، وقال: "قبل يوم واحد فقط من حديثه عن الديمقراطية ودعم الحريات الفردية والعامة، كان يهاجمنا جميعاً، وبصفته رئيساً للجمهورية، وهو ما يتناقض مع الدستور. كما أنه يتهمنا يومياً بالإرهاب والخيانة الوطنية، ويقول عني إنني غير مؤدب، لأنني أنتقد سياساته الداخلية والخارجية فحسب، وهو يأمر أتباعه في البرلمان برفع الحصانة عن عدد من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي، ويهدد بوضعهم في السجون، وهم جميعاً منتخبون ديمقراطياً من قبل الشعب".
أما زعيمة الحزب "الجيد"، مارال أكشانار، فقد علّقت على كلام إردوغان بشيء من الاستهزاء، وقالت: "أهنئه لأنه اكتشف مفهوم حقوق الإنسان. وإذا استمر في المثابرة، وأصبح رئيساً جيداً، فسوف يدرك المفاهيم الحقيقية للديمقراطية والجمهورية ومعنى الفصل بين السّلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية".
واستبعد زعيم حزب "الديمقراطية والتقدم"، علي باباجان، أن يقدم إردوغان على إجراء أي إصلاحات ديمقراطية، وقال: "لم يردّ طيلة الأشهر الماضية على انتقاداتنا في ما يتعلق بالانتهاكات، وهو الآن يحاول أن يغطي وساخة المنزل بالسجاد".
واعتبر سفير تركيا السابق في واشنطن، فاروق لوغ أوغلو، "إعلان إردوغان اعترافاً رسمياً منه بعدم احترامه حقوق الإنسان وتجاهله مفهوم الديمقراطية التي تذكّرها بعد 19 عاماً من حكمه"، وذكَّر بالرسالة التي بعثها 170 عضواً في الكونغرس إلى وزير الخارجية بلينكن قبل يومين، ودعوه فيها "إلى معاقبة تركيا على انتهاكاتها الجسيمة في مجال حقوق الإنسان، وعلى مساعي إردوغان لإحكام سيطرته على الجهاز القضائي، وتنصيب أتباعه في مناصب عسكرية واستخباراتية مهمة، وقمع حرية التعبير وحرية الصحافة، وسجن المعارضين السياسيين والصحافيين"، وقال: "نحن نتذكر أيضاً كيف وجه الرئيس بايدن العام الماضي انتقادات مماثلة إليه، واصفاً إياه بالاستبدادي، مؤكداً ضرورة التخلص منه ديمقراطياً، وبدعم من أحزاب المعارضة".
أما المتحدّث باسم حزب "الشعوب" الديمقراطي، صاروهان آولوج، فقد اعتبر "إعلان إردوغان محاولة جديدة منه لكسب ودّ الاتحاد الأوروبي الذي يعرف جيداً كم هو كاذب ومراوغ، وآخر دليل على ذلك هجومه العلني على محكمة حقوق الإنسان الأوروبية التي أمرت بإخلاء سبيل زعيم الحزب صلاح الدين دمير طاش، المعتقل منذ أكثر من 4 سنوات بسبب تصريحاته السياسية فقط. وقد قال إردوغان إنه لا يحترم قرارات المحكمة ولن يلتزم بها".
إعلان الرئيس التركي عن حقوق الإنسان أثار ردود فعل واسعة في وسائل الإعلام التي أشارت إلى كلامه حين قال: "لن يوضع أي إنسان في السجن لمجرد أنه عبّر عن رأيه أو انتقد مسؤولاً، أياً كان مستواه". وقال ماردان ينارداغ، رئيس تحرير قناة "TELE1" الإخبارية: "قبل ذلك، على إردوغان أن يقول لنا لماذا لاحق حتى الآن عشرات الآلاف من المواطنين، لمجرد أنّهم انتقدوه في شبكات التواصل الاجتماعيّ؟ ولماذا تأتي تركيا في المرتبة الأولى عالمياً في سلم انتهاكات حقوق الإنسان وعدد الصحافيين المعتقلين والمسجونين".
تشكيك المعارضة في نيات إردوغان في الإصلاحات الديمقراطية جاء بعد أيام من انتقاداتها له في ما يتعلَّق بحديثه عن دستور جديد للبلاد، وهو ما اعتبره زعيم حزب "المستقبل" ورئيس الوزراء السابق، أحمد داوود أوغلو، "محاولة جديدة منه لإحكام سيطرته على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها، لضمان استمراره في السلطة من دون مراقبة ومحاسبة".
لا شكّ في أن موقف أحزاب المعارضة لن يمنع الرئيس إردوغان من تطبيق أجندته عبر المراسيم الرئاسية أو القوانين التي سيمررها من البرلمان الذي يسيطر عليه "العدالة والتنمية" وشريكه "الحركة القومية"، الذي كان من ألدّ أعداء إردوغان، وهو الآن من أشد المدافعين عنه، والسبب مجهول!
ومع التذكير بتناقض تصريحاته ومواقفه في ما يتعلّق بمجمل القضايا الداخلية والخارجية، فقد بات واضحاً أن ما يهدف إليه من خلال أحاديثه عن دستور جديد أو إصلاحات ديمقراطية بعد 19 عاماً من حكمه، ليس إلا مناورة تكتيكية لإلهاء الشعب، حتى لا يفكّر في مشاكله اليومية، وأهمها البطالة والفقر والجوع، بسبب الأزمة المالية والاقتصادية الخطيرة باعتراف الجميع.
أما في ما يتعلَّق بالرسائل التي أراد أن يبعثها إلى واشنطن والعواصم الغربية، فالجميع هناك يعرفون جيداً أن إردوغان الذي عادى الغرب، وما زال، لأسباب كثيرة، لن يتراجع عنها، كما لن يتراجع عن سياساته الداخلية، لأنه هو الذي دمر الديمقراطية وقضى على كل ما له علاقة بحقوق الإنسان وكل أنواع الحريات الفردية والسياسية، ناسياً أنه وصل إلى السلطة بفضل هذه الديمقراطية العلمانية التي يريد أن يتخلص منها، وهو يعترف بذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
وما عليه في هذه الحالة إلا أن يتخلّص من كلّ من سيتصدى له ويمنعه من تحقيق أهدافه. ويبدو أن العواصم الغربية غير مبالية بها، وإلا لما سكتت على كلّ ما يفعله منذ 19 عاماً من حكم "العدالة والتنمية". وكما يبدو واضحاً، لم يتبقّ منها شيء من العدالة. ومن دونها، لا يمكن الحديث عن التنمية بعد القضاء على حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات الفرديّة والسياسيّة، وما نراه يومياً في تركيا، وفي جميع المجالات، ليس إلا محاولة جديدة للقضاء على ما تبقى منها!
حسني محلي ـ الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً