سلسلة نداء الله للذين آمنوا | (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا..)

الأربعاء 24 شباط , 2021 12:31 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

 

سلسلة نداء الله للذين آمنوا

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ آل عمران 130، في هذه الآية الكريمة، يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بعدم أكل الربا، وأن يتقوه سبحانه وتعالى في معاملاتهم المالية كما أمرهم أن يتقوه في جميع أمورهم.

والربا في اللغة: الزيادة، وشرعاً: هو كل زيادة مشروطة مقدماً على رأس المال، فالقرض هو عقد إحسان، لأن المقرض يتنازل للمقترض عن مبلغ من المال لمدة زمنية ما، دون أن يتقاضى على ذلك فائدة، ويسترد أصل ماله عند المدة المتفق عليها بين الطرفين، راجياً الثواب من الله تعالى، أما الربا فهو الزيادة على رأسمال القرض، وقد حرّم الله تعالى هذا النوع من المعاملات لما فيه من استغلال لحاجات الناس وظلمٍ لهم.

والرّبا محرّم بالكتاب والسّنّة والإجماع، وهو من الكبائر، ومن السّبع الموبقات، ولم يؤذِنِ اللّه تعالى في كتابه عاصياً بالحرب سوى آكل الرّبا، حيث قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين / فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾، ومن استحلّه فقد كفر لإنكاره معلوماً من الدّين بالضّرورة، أمّا من تعامل بالرّبا من غير أن يكون مستحلاً له فهو فاسق‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ (اجتنبوا السّبع الموبقات قالوا‏:‏ يا رسول اللّه وما هنّ؟‏ قال‏:‏ الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، وعن جابر بن عبد اللّه رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ (لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم آكل الرّبا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال‏:‏ هم سواء).

وللربا أنواع أهمها ربا النسيئة وربا الفضل، فربا النسيئة هو الزّيادة على رأسمال الدَّين مقابل تأخير الاسترداد‏، وسمّي ربا القرآن، لأنّه حرّم بالقرآن الكريم في قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً‏}‏‏.‏ ثمّ أكّدت السّنّة النّبويّة تحريمه في خطبة الوداع وفي أحاديث أخرى‏، ثمّ انعقد إجماع المسلمين على تحريمه، كما ‏وسمّي ربا الجاهليّة، لأنّ تعامل أهل الجاهليّة بالرّبا لم يكن إلاّ به، وربا الفضل يكون بالتّفاضل في الجنس الواحد من أموال الرّبا إذا بيع بعضه ببعضٍ، كبيع درهمٍ بدرهمين نقداً، أو بيع صاع قمحٍ بصاعين من القمح، ونحو ذلك‏.‏

ولتحريم الربا حكمٌ عديدة، منها:

-أنّ الرّبا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوضٍ، لأنّ من يبيع الدّرهم بالدّرهمين نقداً أو نسيئةً تحصل له زيادة درهمٍ من غير عوضٍ،

-ومنها أنّ الرّبا يمنع النّاس من الاشتغال بالمكاسب، لأنّ صاحب الدّرهم إذا تمكّن بواسطة عقد الرّبا من تحصيل الدّرهم الزّائد خفّ عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمّل مشقّة الكسب والتّجارة والصّناعات الشّاقّة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق الّتي لا تنتظم إلاّ بالتّجارات والحرف والصّناعات والعمارات‏.‏

-ومنها‏:‏ أنّ الرّبا يفضي إلى انقطاع المعروف بين النّاس من القرض، لأنّ الرّبا إذا حرّم طابت النّفوس بقرض الدّرهم واسترجاع مثله، ولو حلّ الرّبا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدّرهم بدرهمين، فيفضي إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان‏.

يظهر مما تقدم أن الله تعالى أباح لعباده المعاملات المالية التي فيها تيسير على المعسرين كالقروض والهبات، وحرم عليهم المعاملات المالية التي فيها منفعة شخصية لصاحب رأس المال، لما في ذلك من هضم لحقوق الناس وإفقارٍ لهم، فالمرابي يزيد من مدخوله بغير كسبه الشخصي، وهذا مما منعه الشرع الحنيف حفاظاً على حقوق الناس وأموالهم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.‏

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل