الثبات - إسلاميات
سلسلة نداء الله للذين آمنوا
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ التحريم 6.
يأمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار، لأن الإنسان المسلم مأمورٌ أن يبعد نفسه وأهله عن الأفعال والأقوال والمعتقدات الموجبة لدخول النار، ووقاية النفس من النار تكون بتحصيل الإيمان وسلامة المعتقد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)، أي من اعتقد اعتقاداً جازماً أن لا إله إلا الله مؤمناً بها قلبه، طائعةً لله جوارحه، ضمن الجنة وأبعد نفسه عن النار، وكذلك تكون وقاية النفس من النار بلزوم ما افترض الله تعالى من فرائض وأحكام، والبعد عما نهى الله تعالى عنه.
أما وقاية الأهل من النار، فقد قال أميرُ المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه :(أدِّبوهم وعلِّموهمُ الخير، وقال قتادةُ رحمه الله: (تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن معصية الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيتَ لله معصية؛ زجرتَهم عنها)، وقال ابن عباس رضي الله عنه: (اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار).
وترشدنا هذه الآية الكريمة إلى عظيم مسؤولية الأهل تجاه أولادهم، ووجوب تعليمهم أصول الإسلام وأركانه، وحثهم على طاعة الله وترك المعاصي والآثام، فإن نعمة الأولاد نعمة كبرى أنعم الله بها على من أعطاهم إياها، قال تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، وإن العاقل الذي أوتي هذه النعمة تجب عليه مراعاتها والحفاظ عليها، ليخفف عن نفسه الوقوف الطويل يوم القيامة، حيث ينادي الله تبارك وتعالى: (وقفوهم إنهم مسؤولون).
ومتى كان الأب صالحاً تقياً، تأثر به أولاده وأهل بيته، وكذلك كل معلم ومؤدِّب، ينظر إليه طلابه نظرة كمال واقتداء، فيحاكونه في جميع أموره، قال عمرو بن عتبة لمعلّم ولده منبهاً له: (ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت).
وعلى التربية والسلوك، درج الصالحون من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يؤدب ولده عندما دخل عليه وهو مترجل، وقد لبس ثياباً حساناً، فضربه عمر بالدرة حتى أبكاه، فقالت له حفصة: لم ضربته؟ قال رأيته قد أعجبته نفسه، فأحببت أن أصغرها إليه،
وهذا سفيان الثوري رحمه الله قالت له أمه: يا بني! اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي" فكانت تعمل وتقدم له ليتفرغ للعلم، وكانت تتخوله بالموعظة والنصيحة، قالت له ذات مرة: يا بني إذا كتبت عشرة أحرف، فانظر: هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك، فاعلم أنها تضرك، ولا تنفعك.
فهذا هو ما ينبغي للآباء والأمهات أن يتحملوا مسؤوليته في رعاية شؤون أولادهم الدينية، وتحريك الالتزام الديني في واقعهم العملي قبل أن يسبقهم إليهم الضالون المضلّون من الكافرين والمنحرفين والمستكبرين بما يثيرونه من أفكار الكفر وعاداته وتقاليده، ليصوغوا أجيالنا صياغةً كافرةً، قد تؤدي إلى تعقيدهم ضد الإسلام فكراً وعملاً.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.