فؤاد السنيورة: الذاكرة خبّاز منصف‎

الإثنين 22 شباط , 2021 02:16 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

"فؤاد السنيورة".. لا يمكن تعداد الصفات التي تلي هذا الإسم على لسان الناس. ويمكن القول براحة تامّة إنّه رغم الانقسامات الجذرية والعمودية والأفقية التي يشهدها "المجتمع اللبناني"، فإن توصيف السنيورة يشكّل نقطة إجماع بين اللبنانيين، نقطة عابرة للطوائف وللخلافات السياسية والتناقضات الثقافية والتركيبات الاجتماعية. وقد اقترن اسم الرجل بصفاته المعروفة تلك اقترانه بالرقم ١١ مليار الذي حيّر العالم وأدهش العلماء.

لهذا، ليس مهمًا اسم الشاشة التي استضافته يوم أمس. فالركب الإعلامي المعنيّ بمنح نموذج كالسنيورة حقّ المحاضرة بالعفّة المالية متعدّد الشاشات والأسماء.. وكذلك ليس مهمًا ما قال الرجل، فيما عدا تطويره الإبداعي للمثل القائل "أعطِ خبزك للخباز وإن أكل نصفه" عبر إضافة لمسته الخاصة والتي كانت "وراقبه" لم يتفوّه بكلمة تستحق الردّ أو التحليل، تبعًا لأمثلة كثيرة كذلك الذي يتحدث حول الفرج الذي يأتي لأحدهم إن "حَلف"، أو عن فصاحة إحداهن إن حاضرت بالعفة.. هنا، لا "الحلفان" يستحق التدقيق أو التكذيب، ولا يفيد تبيان ركاكة الأدوات البلاغية في المحاضرة الفصيحة تلك.

لكن بما أن السنيورة فؤاد ارتأى العودة إلى ساحة الظهور والتكلّم، فلا ضير من تذكيره بما لم ننسه له من مشاهد حاضرة في البال دومًا، عسى يطمئن إلى قوّة حضوره في الذاكرة الجماعية، فلا يجهد نفسه بلقاءات تلفزيونية قد تسلب منه وقتًا يمكن له استثماره بشكل مربح أكثر. هيا بنا إلى ذاكرة تموز:

مع بداية الحرب، طلب السنيورة رئيس حكومة لبنان آنذاك من حزب الله أن يسلّمه الأسيرين.. يبدو الأمر غريبًا! لا، فالمطلب "الصهيوني" حينها كان استرجاع الأسيرين. وهنا لا نؤكد ولا ننفي أن يكون السنيورة قد تعمّد النطق بلسان الصهاينة. سنعتمد "حسن الظن" ونقول إن نوبة هلع أصابته بسبب صوت الغارات وجعلته ينطق بما لا يقصده، أو بما لا يعرف أنّه يشكّل تماهيًا مع مطلب العدو..

وخلال الحرب، أعياه الجهد النفسي والعاطفي بين تقبيل كوندوليزا رايس بحفاوة وبين ذرف الدموع التي قيل حينها إنّها تأثّر بالمجازر التي استهدفت العائلات والأطفال، إلى أن ردّت عليه تسيبي ليفني لتخبره أن البكاء لا يفيد ويجب عليه أن ينزع سلاح حزب الله.. هنا بدا بكاؤه تعبيرًا عن عجزه عن تحقيق النصر السياسي للصهاينة.. على ذمّة التحليل المنطقي طبعًا.

وحين انتهت الحرب نصرًا مبينًا للمقاومة ولكلّ لبنان، "شمّر" السنيورة عن أكمامه محاولًا تحويل النصر الإلهي الصادم إلى هزيمة، مقترحًا بوصفه رئيس حكومة لبنان قيام الجيش بمداهمة البيوت في الجنوب لسحب سلاح المقاومة.. وعلى سبيل استخدام حسن النية واستبعادًا لاحتمال أن يكون هذا "الفؤاد" المنكسر حزنًا على البلاد قد استبسل في الحرص على تحقيق المطلب الصهيوني بنزع سلاح المقاومة، يمكن القول إنّه لشدّة حزنه أخطأ التعبير أو استفزّه ما ذكّرته به ليڤني فأراد أن يثبت لتلك المرأة أنّه لم يبكِ كالنساء مطلبًا لم يستطع تنفيذه كالرجال، ونسي لهول غضبه أنّ ليڤني هي وزيرة خارجية العدو، وأن المطلب الذي ذكّرته به كان حرفيًا نزع سلاح حزب الله.

أما عن رغبته العفوية بتأجيل إعادة إعمار الضاحية وكلّ المناطق التي طاولها الدمار في الحرب، واقتراحه ألّا يستعجل النازحون من الجنوب العودة إلى بيوتهم، فهذه أمور لا بدّ لها من تفسير ما في سجل السنيورة، ولكن أعيانا البحث عن محمل حسن لتغليفها به فلا مشكلة بتجاوزها وتسجيلها تحت عنوان "الدوافع المجهولة"..
 
ولا ننسى طبعًا حضور السنيورة قبل تموز وبعده في كل مفاصل يومياتنا وحياتنا ومسارنا الاقتصادي والمعيشي، وبالطبع لا داعي للاستفاضة بالشرح عن أدواره في السياسات المالية وغيرها، فتلك يعرفها ويجمع عليها حلفاؤه قبل الخصوم، ولا داعي لتذكيره برقم الـ ١١ مليار الشهير والمرتبط باسمه، فقد ورد ليل أمس على مئات الحسابات على منصات التواصل مرفقًا بالكثير من المآثر المرتبطة به، ولا فائدة من تكرارها في معرض طمأنتنا للسنيورة بأنّه مهما غاب حاضرٌ في ذاكرتنا.

حضر السنيورة إلى البيوت الأمس عبر شاشة.. لم يجد من يستقبله مرحّبًا، لكن وللأمانة، أضفى على أمسية الناس نكهة من الفكاهة إذ دفعهم إلى تداول أقواله المأثورة بالسخرية السوداء، وبالكثير الكثير من الصفات التي يعرفها جيّدًا، لكن لم يجد من ينصحه باجتناب الظهور تفاديًا لمزيد من الإساءة لمن يعيشون اليوم ارتدادات ما ارتكبه، بشخصه وبمن يمثّل.. فبعض الحياء كان ضروريًا، احترامًا للذات إن لم يكن لعقول الأخرين، وذاكرتهم.

 

ليلى عماشا ـ العهد

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل