الثبات - إسلاميات
فضل العلماء في الإسلام
العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا من عرض الدنيا متاعاً زائلاً، ولا مالاً فانياً، وإنما ورّثوا دين الله عز وجل القائم على العلم والحكمة، ومعرفة آيات الله في خلقه، وتزكية النفس وصلتها بخالقها، وتحليتها بمكارم الأخلاق.
العلماء ورثة الأنبياء، ورثوا عن سيدنا نوح صبره على تبليغ رسالة الله، وتحمله إيذاء قومه وإعراضهم عنه في سبيل الله، وهو قائم بالدعوة الى الله مئات السنين دون كلل ولا ملل، ولا ضجر ولا قنوط.
وورثوا عن سيدنا إبراهيم شجاعته وصموده أمام أعداء الله، وتضحيته بالحياة واستهانته بالموت في سبيل إعلاء كلمة الله.
وورثوا عن سيدنا موسى قوته وأمانته، وعفته ونزاهته، ودعوته للإنقاذ قومه من الظلم والاستعباد، ورفقه بهم ليخرجهم من الظلمات الى النور، ومن عبادة الطواغيت الى عبادة الله الواحد القهار.
وورثوا عن سيدنا عيسى روحانيته وقربه من الله، وذكره وصلته الدائمة بالله، وصدقه ورحمته، وسمو نفسه ورفعتها ومحبتها لجميع خلق الله.
وورثوا عن خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين الخلق العظيم، والرحمة للعالمين، والصفوة من الشرع والدين القويم.
ورثوا عنه صبره وحلمه، وجهاده ونضاله، وعرض نفسه ودعوته على الناس في سبيل نشر دين الله، مقتحما الأخطار، غير مبال بتهديد ولا إيذاء ولا استنكار، غير آبه بإغراء بمنصب أو مال أو جمال، قائلا كلمته المشهورة: "والله يا عمّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أرجع عن تبليغ رسالة ربي ما رجعت حتى ينفصل رأسي عن كتفي" رواه البيهقي عن ابن اسحاق.
هؤلاء العلماء هم الذين عقلوا عن الله ينه، وفهموا مراده من رسالته الى خلقه {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}، فاستقرّ نور الكتاب بين ثنايا صدورهم، وانطبعت معاني الآيات في أعماق قلوبهم {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}. وبذلك ارتقوا في مقامات الصالحين، وارتفعوا الى مصافّ المقربين {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وشتان ما بين هذه المنزلة الرفيعة، ومنزلة الغفل الجاهلين، والمعرضين الزاهدين {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
هؤلاء العلماء هم مصابيح الهدى التي تدل الناس على منهج الله، وترشدهم الى دين الله، وهم منابع الخير والسعادة والفلاح، يملؤون العقول بالعلم والحكمة، ويهذبون النفوس ويزكونها بمراقبة الله وذكره على الدوام، وينشؤون الجيل القوي بعقيدته، الكريم بأخلاقه، النافع لأمته، المخلص في بناء وطنه، فهم روح الأمة وكنزها الأكبر، قال صلى الله عليه وسلم: "إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضلّ الهداة" رواه أحمد عن أنس بن مالك.
وإذا كان العلماء مصادر السعادة لمن لاذ بهم وأخلص في صحبتهم في الدنيا، فهم تمام السعادة في الآخرة، يحشر أتباعهم بمعيتهم، ثم يشفعون بهم، قال صلى الله عليه وسلم: "ويشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء" رواه ابن ماجه عن عثمان بن عفان. وقال عليه السلام: "يبعث العالم والعابد فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم اثبت حتى تشفع للناس بما أحسنت أدبهم" رواه البيهقي عن جابر.
وأي شرف أرفع، وفضل أكبر في تكريم العلماء من عطف شهادتهم في وحدانية الله على شهادة الله وشهادة ملائكته، قال تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ}، ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس خيراً" رواه الترمذي. وفي حديث آخر: "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر" رواه الترمذي.