الثبات ـ ثقافة
انتقد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية منع عرض فيلم "جنين جنين" الذي سلط الضوء على انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال اجتياح مخيم جنين شمالي الضفة الغربية في عملية "السور الواقي" عام 2002، ومعاقبة مخرجه بغرامات مالية كبيرة.
وقال المرصد الحقوقي الدولي ومقرّه جنيف في بيانٍ صحفيٍ، إنّ قرار المحكمة الإسرائيلية الذي صدر أمس الإثنين شمل حظر توزيع الفيلم، وأمر بمصادرة جميع نسخه، وإلزام مخرجه "محمد بكري" بدفع تعويض مالي قدره 175 ألف شيكل للجندي الإسرائيلي المدعي، فضلاً عن تحمل المصاريف القانونية التي تقدر بمبلغ 50 ألف شيكل (يعادل نحو 16 ألف دولار أمريكي).
وقال "حسين أبو حسين" محامي المخرج "محمد بكري" في إفادة للمرصد الأورومتوسطي إنّ القائد العسكري الإسرائيلي " نسيم ميغناجي" رفع قضية تشهير ضد المخرج "بكري" عام 2015، لظهوره في مقطع مدته 20 ثانية في فيلم "جنين جنين" وظلت القضية في أروقة المحاكم حتى صدر الحكم لصالح القائد الإسرائيلي أمس الإثنين.
وأشار إلى أنّ القائد العسكري الإسرائيلي الذي تقدم بالشكوى كان طلب عام 2009 الانضمام إلى قضية سابقة تقدم بها عدد من الجنود ضد عرض الفيلم، لكّن المحكمة رفضت حينها طلبه مع أنّه كان مبنيًا على نفس الادعاءات التي حكمت على أساسها لصالحه في هذه القضية.
وكشف "أبو حسين" عن تعرّض المخرج "بكري" لاعتداءات جسدية وإهانات لفظية متكررة من جنود وضباط الجيش الذين كانوا يحضرون جلسات المحاكمة بصورة مستمرة، وبأعداد كبيرة.
ورأى الأورومتوسطي أنّ سلطات الاحتلال لعبت دورًا في التأثير على اتجاه القضية من خلال انضمام المستشار القضائي للحكومة "أفيحاي مندلبليت" إلى الدعوى، بالإضافة إلى حضور مستمر لضباط إسرائيليين كبار، في تلميح إلى تبّني الجيش الإسرائيلي للدعوى.
واعتبر إن الأعراف القانونية تجيز تقديم الدعوى خلال سبع سنوات من وقوع الحدث (حتى سنة 2009 في قضية الفيلم)، غير أنّ المحكمة تجاهلت الأعراف القانونية وقبلت النظر في الدعوى وحكمت لصالح القائد العسكري الإسرائيلي في نهاية المطاف.
وذكر المرصد الأورومتوسطي أنّ المقطع القصير الذي ظهر فيه الضابط الإسرائيلي في الفيلم لم يرافقه أي اتهام شخصي أو تجريح، عدا عن أنّ المقطع نشره في الأساس الناطق بلسان جيش الاحتلال الذي يتولى مهمة توزيع المواد الإعلامية للجيش على وسائل الإعلام المختلفة.
ووفق متابعة الأورومتوسطي، بدأ التضييق الإسرائيلي على فيلم "جنين جنين" ومخرجه منذ العرض الأول للفيلم قبل نحو 18 عامًا، لما يحتويه من شهادات توثّق الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق السكان المدنيين في مخيم جنين عام 2002.
وفي نفس العام، منعت الرقابة الإسرائيلية عرض الفيلم في نفس العام الذي بذريعة أنّ الفيلم "أحادي الجانب، ويربك المشاهد، ويوهمه بأن جيش الاحتلال ارتكب مجازر بحق الفلسطينيين"، حسب ما ورد في تقرير الرقابة العسكرية في ذلك الوقت، لتعود وتسمح بعرضه بعد عامين نتيجة التماس قدمه "بكري" للمحكمة الإسرائيلية العليا.
وبيّن الأورومتوسطي أنّ منع عرض وتوزيع فيلم "جنين جنين" جزء من السياسة الإسرائيلية القائمة على حظر أي نشاط سلمي يستهدف كشف انتهاكاتها في الأراضي الفلسطينية، موضحًا أنّ الملاحقة الجنائية الممتدة عبر سنوات للفيلم يعكس حرص الاحتلال على توفير حصانة دائمة للأفراد والكيانات المتورطة في انتهاك حقوق الفلسطينيين وحمايتهم من أي مساءلة أو محاسبة.
وقال المدير الإقليمي للأورومتوسطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "أنس جرجاوي" إنّ "قرار المحكمة امتداد لسلسة الانتهاكات الإسرائيلية ضد النشاط السلمي، لافتًا إلى أنّ القرار اعتداء واضح على النصوص القانونية الدولية ومنها المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على أن "لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
وقال "جرجاوي": "كان الأجدر بالحكومة الإسرائيلية التحقيق فيما عرضه الفيلم من شهادات وإفادات تعكس فظاعة الانتهاكات المرتكبة من الجنود الإسرائيليين أثناء عملية "السور الواقي"، بدلًا من توفير التغطية المالية للجندي المدعي، وانضمام مستشارها القانوني للقضية".
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات القضائية في دولة الاحتلال إلى التراجع عن الحكم التعسفي، وإيلاء الاعتبار للمبادئ الأساسية للحق في حرية الرأي والتعبير والنشر عند النظر في القضية. كما حث السلطات الإسرائيلية على احترام القواعد الدولية الأساسية التي نصت على حماية الحق في الحياة وحرية التعبير عن الآراء، مشددًا على ضرورة إنهاء سياستها في توفير الحصانة لمرتكبي الانتهاكات، والتأكد من الالتزام بقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان واحترام حقوق السكان المدنيين خلال العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية.