مقالات مختارة
تقرّر بصفة نهائيّة حلّ الكينست الصهيوني، وإجراء انتخابات مبكرة للمرة الرابعة خلال عامين، وذلك في مارس/ آذار المقبل (2021). وبذلك فقد استقرّ في مربع جميع الخصوم السياسيين، أنه لا بدّ من رحيل هذا الذئب «الصهيوني» نتنياهو، من السلطة وصدارة المشهد، بعد أن خدع الجميع وضحك عليهم بوعود كاذبة وخادعة، يستحيل معها استمراره. فالواضح أنّ دولة – مثل دولة العصابات الصهيونية – تتعرّض للانتخابات البرلمانية خلال عامين، أربع مرات، بمتوسط 8 شهور لكلّ برلمان، يتمّ حلّ البرلمان بعدها، فإنّ ذلك معناه ودلالته في علم السياسة، أنّ هذا الكيان المسمّى – مجازاً – بدولة، يعاني من حالة عدم استقرار سياسي.
كما أنّ هذا الكيان مليء بالمشاكل التي لم يعد بقادر على تحمّلها. ويتساءل البعض هل النخبة المتنافسة في الكيان، غير قادرة على التحمّل إلى هذا الحدّ؟! وهل هي غير مقدّرة لعواقب تصدير مشهد عدم الاستقرار للخارج (دولياً وإقليمياً)؟! وهل هي تفضل خيار المصالح الشخصية والضيقة عن المصلحة العامة والعليا لكيانهم الصهيوني؟! ألم يحقق لهم هذا الـ «نتنياهو» – رئيس وزرائهم، مصالح كبرى مثل قرارات «التطبيع والتطويع والانبطاح» مع دول عربية عدة هي الإمارات والبحرين، والسودان والمغرب، وأخرى في الطريق، وعقد لقاء ثلاثي ضمّ (بومبيو – نتنياهو – محمد بن سلمان) في «نيوم»؟! ألا يعدّ هذا إنجازاً عاماً لصالح دولتهم، حتى يظلّ نتنياهو رئيساً للوزراء، ويتجنّبون الانتخابات والانقسامات التي تترتب عليها؟!
الحقيقة التي تشعّ نوراً في المشهد، أنّ مثل هذه التساؤلات، ربما تثار في المجتمعات العربية المتخلفة ديمقراطياً، فيصبح «الرئيس» أبدياً لمجرد أنه فعل هذا أو ذاك، بل تعدّل الدساتير في غيبة من الشعوب لكي يستمرّ الحكام إلى الأبد! إلا أنّ الكيان الصهيوني باعتباره امتداداً للتقاليد الغربية الديمقراطية، يُصرّ على تصدير مشهد الدولة الديمقراطية وسط الديكتاتوريات المحيطة به، فيزداد اكتساباً للمصداقية لدى الغرب وأميركا.
وبغضّ النظر عن هذه الحقيقة، فإنّ جميع الحكومات الصهيونية منذ تأسيس دولة الكيان في 1948، هي حكومات «ائتلافية»، أيّ لم ينفرد حزب بتشكيلها وحده. بل كان الحزب الفائز بالأكثرية العددية بمقاعد البرلمان يدخل في التحالف مع الأحزاب الصغيرة، ويصبح على الجانب الآخر الحزب المعارض الحاصل على أكثرية تالية للحزب الأكبر.
وقد استمرّ ذلك كثيراً وقت أن كان هناك حزبان كبيران هما حزب العمل وكتلة اللكيود، وكان حزب العمل مسيطراً بصفة دائمة إلى أن انقلبت الأوضاع وتدهورت أحوال هذين الحزبين، وظهرت أحزاب جديدة وعديدة، لم يحظَ أيّ منها على الأكثرية التي تمكنه من الانفراد بالحكومة بالائتلاف مع الأحزاب الصغيرة كما كان معتاداً. الأمر الذي اضطر الأطراف الكبرى التي لا تتجاوز مقاعدها في حدود العشرينيات، إلى التحالف، وتبادل المقاعد وتوزيعها في ما بينهم. وقد أدّى ذلك بطبيعة الحال إلى ضعف الحكومة والبرلمان.
وهذه نقطة لا تستدعي انتباه صُناع القرار في الوطن العربي الذي يتسابق القادة فيه، إلى التحالف والتطبيع، تطويعاً واستسلاماً، في ضوء الضغوط الأميركيّة، مع ذلك الكيان الصهيوني الهش، والذي يتآكل تدريجياً منذ أكثر من ربع قرن!
ولذلك يمكن القول بشكل حاسم، إنّ النخبة السياسية في الكيان الصهيونيّ، لم تعد تهمّهم المصلحة العليا لدولتهم التي تتمزق يومياً، بل لا يعنيهم من الأمر، سوى مصالحهم الشخصية، وإصرارهم على الصدارة في المشهد، وهم يضمنون الدعم الأميركي والغربي عموماً، بلا حدود وبلا سقف، حيث إن الكيان الصهيوني، يمثل الولاية الـ 51 للولايات المتحدة الأميركية، وكلّ حكامها ملزمون بحمايتها وصيانة وجودها. ومن ثم لا يهمّ أميركا ما يحدث في داخل الكيان، لأنّ مفاتيح بقاء هذا الكيان في أيدي صاحب الأمر في البيت الأبيض وعواصم أوروبا «الغربية»، باعتباره هو الخنجر المدسوس في ظهر الوطن العربي ليحول دون وحدته أو بقائه أصلاً.
كما أنني أرى وسبق أن توقعت بالأسلوب العلمي، وليس من قبيل التخمينات، أنّ نتنياهو كانت قد تقرّرت إزاحته في الانتخابات الثالثة منذ شهور عدة، إلا أنه تمّ تأجيل ذلك حتى تتمّ إزاحة الراعي الرسمي لهذا الكيان، ولنتنياهو أصلاً، وهو ترامب، وهو ما يحدث حالياً. فبعد أن تمّت إزاحة وإسقاط ترامب، حان أوان أن يذهب نتنياهو لإعداد المسرح في الكيان، لشخص جديد، يسهل من التعامل مع الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، وهو إذن أمر متوقع بل وحتمي في تقديرنا. وقد ثبتت صحة توقعاتنا على مدار شهور عدة بحتمية سقوط ترامب، وسقط، وأصبح السقوط التالي من نصيب نتنياهو، وربما عدد من قيادات المنطقة العربية وربما العالم، وسط وباء «كورونا»!
ولا تزال السيناريوات المطروحة قائمة، بين سيناريو التفتيت للكيان الصهيوني من الداخل وسيكون في المقدّمة سقوط نتنياهو في الانتخابات الرابعة، وقضاء بقية عمره في السجن هو وزوجته، ليخرج من المشهد السياسي نهائياً، وكذلك بين سيناريو وهو استمرار اليمين واليمين المتطرف في السلطة، بعد الخروج شبه النهائي لليسار مثلاً في حزبي العمل وميرتس، ولم يعد هناك مكان له في الخريطة السياسية للبرلمان، لتصبح هذه الخريطة محصورة بين اليمين الديني واليمين القومي، وكلاهما متطرفان. ومن ثم لا يمكن توقع مشهد مريح للفلسطينيين. الأمر الذي يؤكد من جديد حتمية المقاومة في مواجهة كيان صهيوني يتفتت بسرعة، ويحتاج إلى تنشيط المقاومة للقضاء عليه وهو في أضعف حالاته. وتسقط معه كلّ خياراته والخيارات المتطرفة لترامب، من تطبيع أهوج، وصفقة القرن الحقيرة، وإعادة ترتيب الأوضاع في الإقليم.
ومع مطلع عام جديد، فإنّ المنطقة تدخل منعطفاً جديداً، يمكن أن يكون لصالحنا، حال أن تكون إرادتنا بأيدينا وليس بأيدي الأعداء والخصوم والخونة فلم يأت من فراغ شعار «التطبيع عار وخيانة».
د. جمال زهران ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً