ضوابط في إنكار المنكر بالقلب .. الشيخ المربي محمد الفحام

الخميس 24 كانون الأول , 2020 01:45 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات 

 

ضوابط في إنكار المنكر بالقلب

الشيخ المربي محمد الفحام

 

ما هو المجزئ من إنكار المنكر بالقلب؟

الأَصلَ في المسألةِ ضابطُ الحديث المشهور الصحيح: "من رأى منكم مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْه بِيَدِهِ، فإنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسانهِ، فإنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِه، وذلك أَضْعَفُ الإيمان" هذا الحديث المحفوظ لدى أكثر المسلمين يُبْنَى عليه الكثير من الأحكام المتعلقة بالنهي عن المنكر قد ربَطَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم تطبيقَها بالاستطاعة مع الأَخْذِ بعينِ الاعتبار كونَهُ بالمعروف كما في أدلة أخرى.

هذا؛ والذي يَعْنِينا مِنَ الدليل المرادُ مِنَ السؤال وهو الإِنْكارُ بالقلبِ وفقهه وما يَتَفَرَّعُ عنه، فأقولُ وبالله التوفيق: إنُّه يتعلق بأمرين:

الأمر الأول؛ بالمنكِر وما المقصود مِنْ إِنْكارِه؟ أقول: إنَّه لا يَخْتَلِفُ عاقِلانِ في أنَّ القصدَ مِنَ الإِنْكارِ هو طلبُ إزالةِ الْمُنْكَرِ وهدايةُ صاحبِهِ رحمةً به وحِرْصاً عليه مِنْ عواقبِ السُّوء، فَبِهِ يُعْلَمُ أنَّ الكراهية لا تَعْنِي الحِرْصَ على زوال العاصي ذلك أنَّه يؤدِّي إلى زوال ظرفِ إزالةِ المنكَر الذي أُمِرْنا بالتوجُّه إلى إصلاحِهِ والمحافظةِ عليه، ولم يَبْلُغْنا يوماً أنَّ أَحَداً مِنَ السَّلَفِ أَجْهَزَ على العاصي ثم نهاه، بل الْمَعْلومُ المحفوظُ مِنْ نِظامِ السَّلَفِ الصالحِ هو نهضةُ النَّاصحِ بالْمُسْرِفِ على نفسِهِ خشيةً عليه مِنَ الضَّياعِ لأنَّه أخوه فهو شديدُ الخوفِ على أخيه.

مِنْ جانب آخر أقول: كثيراً ما تكونُ كراهيةُ العاصي نوعاً مِنْ أنواع الهوى والحِقْدِ المورثَيْنِ غَيْظاً مُتَمَنَّى صاحبِه زوالُ العاصي لذا كان مِنَ الحكمة نهيُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليه كما ورد شاهِدُه في البخاري وغيره فقد نهى صلى الله عليه وسلم لاعِنَ شاربِ الخَمْرِ وشاتِمَه حيث عَلَّلَ بقوله: "لا تَكُنْ عَوْناً لِلشَّيطانِ على أخيك" وفي رواية؛ "لا أعلم إلا أنَّه يُحِبُّ الله ورسوله" وفي رواية؛ "ولكنْ قُلْ: "اللهمَّ ارحمْهُ اللهم اغْفِرْ له".

 وهنا يَجْدُرُ السُّؤال: تُرى هل كان حِرْصُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم نابعاً مِنْ تَغَيُظٍ على صاحبِ المعصية أم هو كُرْهُهُ للمَعْصِيَةِ وكُرْهُهُ أنْ تَبْقَى عالِقَةً بالعاصي مُضَيِّعَةً إياه؟ ولا أَدَلَّ على هذا المعنى الأخير مِنْ نهيه عليه الصلاة والسلام الذي ذكرنا، ثم كشفِهِ حبَّهُ اللهَ ورسولَه رغْمَ تَلَبُّسِهِ بالمعصية؟

وبذا يكونُ القولُ الفَصْلُ بأنَّ الأَصْلَ إنَّما هو كراهةُ المعصيةِ، لا المتَلَبِّسِ بها لأَنَّ العاصي مُبْتَلى كالمريضِ الذي يَنْبَغِي مُداواتُه بِحِكْمَةٍ ورحمةٍ وقصدِ الخيرِ له والعافيةِ لِبَدَنِهِ...

الأمر الثاني؛ بالقدرةِ على إزالةِ المنكَر وسؤالُكَ عمَّا يَتَعَلَّقُ بإنْكارِ القلبِ الذي هو أَضْعَفُ الإيمانِ عند العجزِ عن إزالتِهِ، وقد ترجمَهُ أهلُ العِلْمِ بأنْ يقول صادقاً: اللهم إنَّ هذا مُنْكَرٌ لا أَرْضَى به وأنت تعلم وهذا مقدمةٌ لِمَطْلَبِ الدعاءِ للعاصي بتزكيتِهِ وطهارتِهِ مِنَ المعصية وأنْ يَغْفِرَ الله تعالى له ويعفوَ عنه كما بَيَنَّا.

بَقِيَ أنْ نَعْرِفَ حُكْمَ مَنْ يَرى الْمُنْكَرَ ولا يَتَحَرَّكُ لإزالَتِهِ بِعُنْصُرِ كَسَلٍ أو جُبْنٍ لكنه مقرٌّ بِحُرْمَةِ ذلك الْمُنَكِر، أقول: هو غَيْرُ مُكَفِّر لكنَّهُ من الكبائر، لِتَرْكِه فرضَ النَّهْيِ عن المنكر في مَحَلِّهِ، إلا أن يُحَلِّلَ الحرامَ، فهنا يَكْمُنُ الخَطَرُ لأنَّه حَلَّلَ ما حرَّم اللهُ تعالى، فذلك كُفْرٌ بما جاء به بيانُ اللهِ تعالى كاستحلال فِعْلِ آكلِ الرِّبا وشارِبِ الخَمْرِ.

ثم إنَّ معنى الإِنْكارِ بالقلبِ في موضِعِهِ ترجمةُ العَجْزِ عن القدرةِ في موضعِهِ، فلا مُؤاخَذَةَ بِتَرْكِ ما وراءَ ذلك ومعنى "وذلك أَضْعَفُ الإيمان" أي: هو أقلُّ خِصالِ الإيمانِ وليس دونَهُ إلا عَدَمُهُ أعاذَنا اللهُ تعالى، والذي أقوى منه التَّغييرُ باللسان، والذي أقوى منه التغييرُ باليَدِ. لذا يُخشَى على إيمانِ تارك هذا الواجب مع قدرته عليه دون عُذْرٍ شرعيٍّ.

اللهم اجعلنا مِنَ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر على سبيلي الفقه والرشاد يارب العباد.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل