مقالات مختارة
لم يخطّط الفتى حسين الشرتوني لمشهد سيجعله محطّ أنظار قلوب أهل المقاومة.. كذلك لم ينهك فطرته بانتقاء كلمات منمّقة أمام الكاميرا، ولم يتوقع ربّما أن تتحوّل كلماته البسيطة بلهجته العاملية الأخاذة إلى حديث يتناقله الناس بفرح يستحضر كل حكايات العزّ الحدوديّ.
تقول الحكاية إنّ فتى يعيش قرب الحدّ، ويدرك أن العدوّ الجاثم في الأرض المحتلة "أوهن من بيت العنكبوت"، ولا بدّ أن أهله وجيرانه تحدّثوا أمامه في ليالي الأنس العامليّة عن الغول الذي هاجم واحتل وقتل وأسر، ثم جاء من يواجهه فهرب واختفى، ثم تحوّلت المواجهة إلى هزيمة يومية يعيشها الغول وقوفًا على بعد ٨ كيلومتر من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وعلى "اجر ونص".. وكذلك، بفطرة واضحة الملامح، أجاد تحديد هدفه وأراد استرجاع حقّه بلا اكتراث لوابل الرصاص الجبان الذي انطلق فوق رأسه لثنيه عن الاقتراب.. ببساطة، المشهد الطفولي الجميل جدًا كان عبارة عن طفل هربت دجاجته وتجاوزت الخط الحدودي فتبعها، أطلق جنود العدو النار صوبه كي يتراجع، ولم يخف أو "ما خفتش" كما قالها للحاج علي شعيب، عين المقاومة وأهلها والذي سارع إلى نقل حكاية حسين ودجاجته لكلّ ما فيها، على بساطتها، من عِبر ورسائل للصهاينة ولوكلائهم المستعربين.
الرسالة الأولى:
لا يخيف رصاص الصهاينة الطفل منّا.. وحسين صورة عن جيل تربّى على عزّ النّصر وثقافة العين تكسر نصال المخرز، وتفتّته. وإن كان الصهاينة قد سقطوا في مواجهة الجيل السابق، المحاصر بالهزائم وبالخيانات، فكيف سيكون حالها حين تواجه جيلًا لا خيارات في قائمته إلّا زوال "إسرائيل" من الوجود؟
الرسالة الثانية:
الجيش الواهن الذي لا يتوانى عن إطلاق الرصاص مربكًا بسبب دجاجة وطفل، لا يجرؤ على إطلاق الرصاص المباشر صوب طفل في الجنوب. وذلك لا يعني أن "شرشًا" من الإنسانية قد نبت فجأة في جسده، يعني فقط أن حال الارتباك التي يعيشها تعزّزها حقيقة أنّه ليس بوارد الوقوف على "نص اجر" بحال تهوّر وقام بجرح أو قتل الطفل، أو حتى دجاجته.
الرسالة الثالثة:
يصطف مستعربو المنطقة على باب الصهيوني لتقديم فروض الطاعة علنًا عبر التطبيع. إعلاميون وسياسيون وفنّانون يتسابقون إلى نيل الحظوة في بلاط الصهاينة. جمع من الخونة الذين يسمّون أنفسهم دعاة سلام وتحت مسمّى حرية التعبير يحاضرون في ضرورة بناء علاقات حسن جوار مع الاحتلال.. يستميتون في الدفاع عن حقّهم ببيع ما لا يملكون للصهاينة.. يتنازلون، يستثمرون، يقايضون، والجبن وصف حالهم والعار سيّدهم. وفي المقابل، طفل يدرك أن ليس من حق أحد أن يسلبه حقّه وما يمتلك.. يقول بضحكة نحتتها الشمس في وجهه الجنوبيّ الساحر، "بدي جاجتي".
الرسالة الرابعة:
تفاعل أهل المقاومة مع المشهد كان مذهلًا. مرّ حسين وحكايته على قلوبهم كنسمة دافئة رسمت على كلّ الوجوه بسمات منبعثة من داخل الأرواح.. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على شكل من أشكال الفطرة المتوارثة والوعي الجماعي الذي يشد الناس إلى بعضهم في رابطة من عزّ صنعته المقاومة.
المشهد البسيط، لنسمّه حكاية حسين ودجاجته الشقيّة، هو حكاية من آلاف حكايات عاشها ويعيشها الناس كلّ على طريقته. هي لحظة الفطرة الأنقى التي تنطق بالحق، بالحق فقط، وهي جمع أعمار بُذلت في طريق هذا الحق.
ليلى عماشا ـ العهد