مقالات مختارة
أعلن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب عن استعداد المملكة المغربية إقامة علاقاتٍ تطبيعيّةٍ كاملة مع دولة الاحتلال "إسرائيل"، بعد مكالمةٍ هاتفيّة أجراها مع الملك المغربي محمد السادس.
الإعلان عن التطبيع الإسرائيلي مع المغرب كان أمراً متوقّعاً، فالمغرب شارك في ورشة عمل البحرين عام 2019 عرض خلالها الجانب الاقتصادي من "صفقة القرن"، أضِف إلى ذلك تصنيف المغرب من قِبل الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية من بين الدول الخمسة الرئيسية في العالم العربي التي لديها رغبة في عقد اتفاقيات تطبيعٍ مع "إسرائيل"، والحديث الإعلامي الذي تمّ تسريبه إسرائيلياً عن نيّة قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارةٍ إلى المغرب في شهر آذار/ مارس عام 2019 قُبيل الانتخابات الإسرائيلية، الأمر الذي نفته حكومة المغرب آنذاك. لم يكن الإعلان عن التّطبيع الإسرائيلي مع المغرب متوقّعاً لكلّ هذه الأسباب فحسب، بل لأنّ جذور العلاقات المغربية الإسرائيلية تمتدّ عميقاً، حيث ترتكز على عنصرين رئيسيين:
الأوّل، العلاقة اليهودية المغربية التي استمرت لأكثر من 2000 عام، أي خلال فترة تواجد أغلب اليهود السفارديم الشرقيين في بلاد الأندلس والمغرب، والحياة الكريمة التي عاشها اليهود في المغرب، الأمر الذي تجلّى بحماية الملك محمد الخامس ليهود المغرب أثناء حكومة فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا النازية وبناءً عليه، تمّ إنقاذ 250 ألف يهوديّ من قبضة النازيين، لذا نجد أكثر من مليون يهودي في "إسرائيل" من أصولٍ مغربيّة مازالوا يعتبرون الثقافة المغربية اليهودية جزءاً من مُكوّن هويّتهم الإسرائيلية اليهودية، ناهيك بعلاقاتهم الممتدة والتي لم تنقطع مع المغرب، حيث يتخطى حجم السيّاح الإسرائيليين في مغرب 45 ألف سائح سنوياً.
العنصر الثاني، التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين، والذي بدأ في أواخر الخمسينات وما زال مستمراً، بالاضافة إلى بيع "إسرائيل" أسلحة للمغرب في أوائل الستينات، ناهيك بتقديمها مساعداتٍ زراعيّةً وخبراتٍ للمغرب.
سمحت العلاقة الإسرائيلية المغربية المميزة على مرّ السنين أن يلعب المغرب دور العرّاب في التطبيع الإسرائيلي العربي، حيث شارك المغرب بنشاطٍ في جهود الوساطة بين "إسرائيل" ومصر في اتفاقية كامب ديفيد 1979، وكذلك في الوساطة بين "إسرائيل" والفلسطينيين من أجل الوصول إلى التسوية بين "إسرائيل" ومنظّمة التحرير الفلسطينية، من خلال فتح أبوابها أمام زيارات الزعامات الإسرائيلية بشكلٍ واسعٍ ورسميّ.
الغريب في الأمر أن يقبلَ المغرب الإعلان عن التطبيع مع "إسرائيل" في هذا التوقيت السياسي الحسّاس بالنّسبة لواشنطن وتل أبيب، وبعيداً عن كلّ معاني العروبة والرمزيّة للقضيّة الفلسطينية التي تعتبر الدولة المغربيّة رئيسة لجنة القدس التي تأسست عام 1975 في مدينة فاس المغربية. يبقى السؤال لماذا يمنح المغرب ورقةً سياسيّةً هامّةً لكلٍّ من نتنياهو وترامب في هذا التوقيت بالذات؟!
يعاني نتنياهو من أزمةٍ سياسيّةٍ داخليّةٍ خانقة، خاصةً أنّه على أبواب انتخاباتٍ جديدةٍ قد تطيح به، وبالرغم من تسجيل نتنياهو تحفّظه على امتناع ترامب من إشراكه في المكالمة بينه وبين الملك المغربي، إلاّ أنّه حاول كعادته استثمار هذا التطبيع كورقةٍ سياسيّةٍ داخليّةٍ ضد خصومه.
خسر ترامب الانتخابات وبشكلٍ نهائيٍّ بعد رفض المحكمة العليا الأميركية قبول اعتراضاته على نتائج الانتخابات الأميركية وبذلك، وبعد أيامٍ قليلة، سيخرج من المشهد السياسي الأميركي برمّته. قد تكون رهانات المغرب مبنيّةً على فرضيّة أنّ ما سيحصل عليه المغرب من اعترافٍ أميركي في الأحقيّة المغربية على الصحراء الغربية (البوليساريو) في عهد ترامب - كما تمّ التسويق لها - مقابل الإعلان عن التطبيع الآن، وبذلك سيتمكّن المغرب من الاستفادة من ورقة التطبيع استفادةً قصوى، عكس ما كان سيحدث في عهد جو بايدن الذي لن يمنح المغرب ذلك الاعتراف.
في البداية، تناسى المغرب وعد ترامب بتوقيع اعترافٍ أميركي على سيادة المغرب في الصحراء الغربية، إلاّ أنّ الظّرف السياسي الأميركي سيتغيّر في 20 يناير/كانون الثاني 2021، وسيكون من السّهل على جو بايدن إلغاء القرار الرئاسي لترامب خاصةً وأنها ليست اتفاقيةً أو معاهدةً أقرّها الكونغرس، ناهيك بمعارضة الكونغرس لهذا القرار حتى في أوساط الجمهوريين أنفسهم، الأمر الذي يجعل المثل الشعبي (كمن سكب قِربته على هوى السّحاب) ينطبق على موافقة المغرب إعلان التطبيع مع "إسرائيل" في عهد ترامب.
بدا الأمر صحيحاً إلاّ إذا كان الدافع الرئيسي الذي يحرّك ترامب المنتهية ولايته لعقد الصفقة مع المغرب، هي استكمال الرؤية الشاملة للحراك السياسي على محورٍ صهيو أميركيٍّ تطبيعيّ، يهدف إلى إعادة التموضع والترتيب بشكلٍ سريع، كمن يجهّز مسرح عملياتٍ لتنفيذ شيءٍ كبيرٍ في الشرق الأوسط قبل انتهاء ولاية ترامب.
حسن لافي ـ الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً