ما بين الماضي والحاضر

الإثنين 14 كانون الأول , 2020 10:46 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

كتبتُ في الأسبوع الماضي عن اختلاف العلاقة اليوم بين الداخل والخارج، وأنّ الحروب التي كانت تُخاض فقط على الحدود والجبهات أخذت تُخاض اليوم داخل بلداننا وأحياناً بأدواتٍ من صميم شعوبنا وأبنائنا، لذلك فقد توجّب علينا تغيير التفكير والتخطيط والسياسات والاستراتيجيات والتكتيك إذا أردنا فعلاً أن نحصد النتائج المرجوّة. 

وفي هذا الأسبوع، ومن خلال استسلام المغرب للعدو بإعلان التطبيع معه والحديث عن انهياراتٍ أخرى في الوطن العربي واحتمال استسلام بلدانٍ عربيةٍ أخرى والتطبيع مع العدو الصهيوني، من المفيد أن نقف وقفةً جديدة مع الماضي ومع بعض أحداثه وإنجازاته لنرى إذا كان يحقّ لنا فعلاً أن نتفاجأ بما يحدث اليوم أم أنّه علينا الاعتراف بأنّ شمس الحقيقة قد أشرقت وأنه ليس علينا سوى أن نتقبّل هذه الحقيقة التي تجاهلناها لعقود، وأن نبدأ العمل اليوم وفق مقتضياتها ووفق ما يُمليه علينا الواقع الذي صفعَنا نتيجة معرفتنا العميقة به، ولكنّ تجاهلنا المقصود له، لم يعد اليوم ممكناً التغاضي عنه أو إنكاره؛ فقد ارتفعت أصوات تنعى لجنة القدس التي كان يترأّسها المغرب وتنعى باب المغاربة الذي ضمّ جاليةً مغربيةً ذهبت إلى القدس للدّفاع عن عروبتها واستقرّت هناك. 

ولكنّ السؤال الذي يجب أن نطرحه بجرأةٍ هو ماذا فعلت لجنة القدس للقدس ولفلسطين؟ وما هو الإنجاز الذي سجّله حكام المغرب طيلة هذه العقود من خلال ترؤس هذه اللجنة لصالح القدس أو لصالح الشعب العربي في فلسطين؟ أم أنّ تنصيب ملك المغرب رئيساً للجنة القدس كان ومنذ البداية، إيذاناً بشلل هذه اللجنة أو تواطئها مع العدو الصهيوني وضمان موتها السريري لسنواتٍ وسنوات؟ النقطة هي لماذا ننعى موقفاً لم يكن موجوداً أصلاً بدلاً من الاعتراف أنّ كلّ ما حدث بين دول الخليج، واليوم، بين المغرب من جهة وبين العدو الصهيوني من جهة أخرى، هو انكشاف المستور الذي لم يكن مستوراً جداً ولكن لم تكن ربما هناك طرقٌ ناجعةٌ لمواجهته أو مقاربته المقاربة الناجعة المطلوبة، أوَ لم يكن التعبير في سبعينيات القرن الماضي يحمّل مسؤولية ما نعاني منه للاستعمار والصهيونية والرجعيّة العربية؟ أوَ لم تلعب الرجعية العربية هذا الدور في كلّ تاريخها؟ ولكن، ونتيجة وجود موقفٍ عربيٍّ صلب من قِبل مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن والجزائر لم تكن لِتتجرّأ أن تقوم بالخطوات التطبيعيّة التي قامت بها مؤخّراً خوفاً من ردّة الفعل العربية، وليس إيماناً بفلسطين وقضية فلسطين أو ذوداً عنها وعن شعبها. 

أمّا وقد تواطأت هذه الرجعيّة مع الصهيونية ودول الاستعمار لضرب العراق وليبيا وسوريا واليمن بعد أن أخرج السادات مصر من الصف العربي، فقد اطمأنّت إلى أنّ الدول العربية المؤمنة بعروبة فلسطين والمدافعة عنها قولاً وفعلاً، غير قادرةٍ اليوم على خلق جبهاتٍ لمواجهة هذا التطبيع الاستسلامي الأحمق والذي سينعكس خسائرَ وكوارثَ وتبعيّةً على من قاموا به، أكثر مما ينعكس على فلسطين وشعب فلسطين الذي لم يتلقَّ يوماً دعماً حقيقياً من هذه الدول المطبّعة، بل هو مستمرٌ كما كان عهده يحارب العدو باللّحم الحيّ وبالأمعاء الخاوية لأسراه وبكلّ الأساليب التي تمكّن من اجتراحها من عمق الألم وعمق المعاناة. 

أما وقد انكشف المستور وأصبحت المواقف والانتماءات واضحةً، فما هو العمل اليوم للحفاظ على جذوة البقاء لهذ العالم العربي الذي تتناوبه المصائب والأحداث وتنهشه أطماع الطامعين؟ 

كما أنّ أسلوب العدوان قد تغيّر جذرياً فلا بدّ لأسلوب المقاومة أن يتغيّر جذرياً أيضاً، ولا بد من عقد اللقاءات المغلقة والندوات المكتومة للعصف الذهني حول طبيعة هذه المرحلة الراهنة والمرحلة المستقبلية من أجل اتخاذ القرارات الصّادقة من قبل المعنيين قولاً وفعلاً، والإيذان بمرحلةٍ جديدة لا تسمح للتطبيع بأن يكون لقمةً سائغةً لا للرجعية العربية ولا لسيّدتها الصهيونية. 

وفي هذا المجال، لا بدّ من التفكير بعقلٍ بارد والتخلّص من تهويل الإعلام الإسرائيلي الذي بدأ يصوّر العالم العربي وكأنه استسلم كلياً وارتمى في أحضانه مرةً وإلى الأبد. الأمر ليس بهذه السهولة على الإطلاق وأكاد أجزم هنا أنّ قرار وزير التربية اللبناني بإدخال حصّةٍ عن فلسطين لطلاب المدارس والثانويات في لبنان، قد أزعج العدو الصهيوني أكثر من فرحه بإعلان المغرب استسلامه للعدو، لأنهم يعلمون علم اليقين أنّ التطبيع هو تطبيع حكوماتٍ فاسدة ومعزولةٍ عن الشعب، وأنّ الشعوب لها رأيٌ آخر وموقفٌ آخر، ولكنّ الخطير بالنسبة لهم، إذا ما بدأت هذه الشعوب بوضع الآليات والخطط التي تترجم هذه المواقف إلى أعمالٍ تُحدث صدى وأثراً ومن ثمّ تغييراً على مستوى المنطقة والعالم. وهنا لا بد من اتخاذ الخيارات التي يعتبرها العدو خطيرةً عليه وعلى أطماعه المستقبلية مثل التحالف مع إيران وحزب الله وسوريا لأن إيران هي القوة العلميّة الصاعدة في المنطقة والتي يخشاها العدو، ولأن التحالف معها سيمكّن العرب المؤمنين بعروبة فلسطين من تشكيل كتلةٍ وازنة في المنطقة تقف قولاً وفعلاً في وجه تيار الاستسلام. كما أن إدخال الحصص عن القضية الفلسطينية حيثما أمكن ذلك وفي أي بلدٍ عربي يتيح ذلك، سيكون شوكةً في عين المطبّعين المستسلمين. 

إنّ الاهتمام بنشر مبادئ المقاومة وثقافتها من خلال وزارات التربية والتعليم والثقافة، وفي أيّ بلدٍ في غاية الأهمية، لأن أخشى ما يخشاه العدو هو أن يستسلم الحكّام الخونة وأن تبقى ثقافة المقاومة تنشأ عليها الأجيال جيلاً بعد جيل. كما يمكن إطلاق حملاتٍ عالميةٍ لتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني وجذب التأييد له في أوروبا وأميركا اللاتينية وإبقاء القضية الفلسطينية حيّة في قلوب وعقول العالم وعدم الاستكانة أو التعب من إلقاء الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي الغاشم للأراضي العربية في فلسطين والجولان ولبنان، ودعم أهلنا الصامدين هناك بكلّ الوسائل الممكنة. 

هناك ملاحم صمود بحاجةٍ لمن يؤلف عنها الكتب والأفلام والأغاني والمسرحيات والموسيقى وينطلق بها إلى العالمية، تماماً كما فعلت المقاومة في جنوب أفريقيا منطلقين من قناعةٍ أكيدةٍ أنّ التطبيع مع العدو يعني فقط أنّ شمس حقيقة الحكام قد أشرقت، وأنّه علينا أن نباشر العمل بصدقٍ ويقين بأنّ الحق هو المنتصر وأنّ المعتدين والظالمين لا مكانة لهم حين يقرّر المقاومون شحذ أدواتهم الحقيقية وبدء المعركة الشاملة حتى النّصر.

 لقد عاش وهمُ دعمِ فلسطين عقوداً أطول مما يجب، وقد يكون من حسن الطّالع ومصلحة المسيرة سقوط هذا الوهم لنبنيَ على أسسٍ راسخةٍ ومتينةٍ وصادقة لا تشوبها شائبة ولا يعتريها غموضٌ أو مواربة.    

 

د. بثينة شعبان ـ الميادين

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل