التدين المغشوش

السبت 21 تشرين الثاني , 2020 01:13 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات

 

التدين المغشوش

من أبرز مشكلات الدعوة والأمة (التدين المغشوش)، وذلك لأنَّه ينبني على الجهل بالشرع ونصوصه وأصوله وقواعده ومقاصده والانحراف عن منهاجه وأخلاقه، والمؤسف أن هذا التدين الشكلي السطحي الأجوف، صار في واقعنا ظاهرة منتشرة، ولم يعد ينحصر خطره على المتدين نفسه، بل وعلى فهم وعلاقة المتدين بالحياة والناس وعلاقته بربه، حيث يصاب المتدين الجاهل بآفة غرور التدين، من حيث لا يدري غالباً، وكما يقول الشاعر:

إِذا كنتَ لا تـدري ولم تكُ بالـذي .. يسائلُ مَن يدري فكيفَ إِذن تَدْري؟

جَهِلْتَ ولم تعلـمُ بأنـكَ جاهلٌ ... فمَن لي بأنْ تدري بأنكَ لا تدري!!

إن آفة هذه الآفة ارتكازها على الجهل، فلا عجب أن يُعجب الجاهل بنفسه، ويفتن بعبادته ويغتر بعلمه، ثم يتكبر على غيره حد توهم ادعاء امتلاك الحقيقة، فيزكي نفسه ويغمط مخالفيه فضلهم ويرى فضل نفسه عليهم، ولا يحرص على تهذيب النفس ولا يقبل النصح، ويضلل أهل العلم والمخالفين، ويزدري المقصرين وينسى أن التوفيق من الله، والعبرة بقبول العمل وبالخواتيم.

إن أصحاب الورع الكاذب والتدين المغشوش إنما يفعلون ذلك ظناً منهم أن ما يفعلونه إنما هو من تمام الإيمان، وكمال الزهد، ومن لزوم الورع، وسمات التقوى، ونسي هؤلاء وأمثالهم أن الإسلام دين وسط لا يعترف بالميوعة ، ولا يُقر القسوة ود، رُوِيَ أنَّ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قد رأى رجلاً مُتماوتاً، فقال له: "لا تُمِتْ علينا ديننا، أماتك الله"، ورأى رجلاً مُطأطئاً رأسه، فقال له: "ارفع رأسك، فإن الإسلام ليس بمريض".

وجاء في تاريخ الطبري أن الشفاء ابنة عبدالله رأت فتياناً يقصدون في المشي ويتكلمون رويداً فقالت ما هذا؟ قالوا نُسَّاك. فقالت: "كان والله عُمر إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، هو والله الناسك حقاً".

لهذا يحتاج المسلم الورع إلى فهم دقيق، وإخلاص عميق، وفقه لا غلو فيه ولا تنطع، وإلا فقد يُفسد بتورعه الفاسد أكثر مما يُصلح، وقد يحبط عمله وهو لا يدري، لأن عبادة الله تعالى لابد وأن تبنى على فهم وإخلاص، إن الورع لابد وأن يشمل الجوارح كلها، فالورع لا يجب أن يكون في جانب دون آخر ، فورع العين غض البصر، وورع اللسان التعفف عن البذاءة وعن آفات اللسان، وورع اليد الكف عن البطش والإيذاء والتعدي، وهكذا مع سائر الجوارح، و أفضل الورع هو ورع الخلوات فالمؤمن الورع يُوقن أن الله تعالى معه وناظره ومُطلع عليه في كل مكان وعلى أي حال.

أما أصحاب الورع الكاذب فقد قال فيهم التابعي سفيان الثوري: "سيأتي أقوام يخشعون رياء وسُمعة، وهم كالذئاب الضواري، غايتهم الدنيا، وجمع الدراهم من الحلال والحرام"، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً في السوق يحمل تمرة وينادي عليها صارخاً "لقد وجدت تمرة فمن صاحبها" ؟ ولما رأى عمر أنه يفعل ذلك تظاهراً بالورع علاه بالدرة وقال له: دعك من هذا الورع الكاذب!.

وجاء رجل من أهل العراق إلى ابن عمر وقت الحج يسأله عن بعوضة قتلها، فهل عليه دم أم لا؟! فقال ابن عمر: سبحان الله، يا أهل العراق تقتلون ابن رسول الله (أي الحسين بن علي) وتسألون عن دم البعوض!.

وما أجمل قول الشاعر في أمثالهم يقول الشاعر

كم عُصبة قد أوغلوا في نُسكهم ... فتنكبوا سُنن الطريق وحادوا

فدع التطرف في الأمور تنطعاً ... إن التطرف صنوه الإلحاد


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل