أخلاق النُّبوة .. خُلُق الصبر 

الخميس 12 تشرين الثاني , 2020 12:49 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات 

 

أخلاق النُّبوة 

خُلق الصبر 

 

الأخلاق من أهم القيم التي يجب توافرها في المجتمع، والتي تُساعد على بنائه وتطويره، والأخلاق هي الضّامن الوحيد لاستمراريّة الحياة على سطح الكرة الأرضيّة بسلام ومودّة ومحبّة، فالأخلاق والقيم الحميدة من الركائز الأساسية لبناء أساس الحضارات، وهي الوسيلة القائمة للمعاملة بين الناس والشعوب.

وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حُسن الخُلق، وقد بيّن عليه الصلاة والسلام أن بعثته كانت لإتمام مكارم الأخلاق، حيث قال: "إنما بُعثت لِأُتمِّم صالح الأخلاق"، وشهد الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بعظم الأخلاق، حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وممّا ينبغي الإشارة إليه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر أصحابه بمخالقة النّاس بخلقٍ حسنٍ، مصداقاً لما رواه أبو ذرٍ رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنّه قال: "اتَّقِ اللَّه حيثُ ما كنت، وأتبع السَّيِّئة الحسنة تمحها، وخالق النَّاس بخلقٍ حسنٍ"، وقد وصف الصحابة رضي الله عنهم عِظم أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيّنوا أنه كان أحسن الناس خلقاً، مصداقاً لما رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنُ الناسِ خُلُقًا"، بالإضافة إلى ما رُوي عن صفية بنت حيي رضي الله عنها أنها قالت: "ما رأيت أحداً أحسنَ خلُقاً من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم".

 

خُلُق الصبر

إن الحياة لا تخلو أبداً من الباء والشدائد وذلك لأنَّ الدنيا دار ابتلاء وامتحان... ولن تكون الراحة الكاملة إلا في جنة الرحمن جل وعلا، قال الحق تبارك وتعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُون}َ.

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة".

إذا نظرنا في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وجدناه خير من صبر وتحمل، فقد أُوذي أيما إيذاء في سبيل الدعوة إلى الله ونشر رسالة الإسلام، ولذلك كان من أولي العزم وحق له أن يكون، ولقد لاقى من قومه من الإيذاء ما تنوء به الجبال، ومع ذلك صبر عليهم ولم ييأس من دعوتهم للإسلام، ولم يقابل أبدًا الإيذاء ولو بكلمة إساءة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم سيد الصابرين وأعظم الأنبياء والمرسلين ومن صور صبره عليه الصلاة السلام:

-يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديداً، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر من الآية:28]".

- ويبلغ الأذى قمته عندما يُحاصر صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب، ثم تتوالى عليه الأحزان بموت الزوجة والمعينة والناصرة السيدة خديجة رضي الله عنها، ثم بموت عمه أبي طالب الذي كان يحوطه ويدافع عنه -بالرغم من موته على الكفر-، ثم يخرج مهاجرًا من بلده الذي يحبه ووصفه بأنه أحب البلاد إلى قلبه، ليبدأ عهداً جديدا ًمن الصبر والتضحية، وحياة فيها الكثير من الجهد والشدة، حتى جاع وافتقر، لدرجة أنه صلوات ربي عليه ربط على بطنه الحجر، في ذلك يقول صلوات ربي عليه: «لقد أُوذيتُ في اللهِ وما يُؤذَى أحَدٌ، وأُخِفتُ في اللهِ وما يخافُ أَحَدٌ، ولقد أتَتْ عليَّ ثلاثون من بين يومٍ و ليلةٍ، وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأكلُه ذو كَبِدٍ إلا شيءٌ يُواريه إبِطُ بلالٍ» (صحيح الجامع:5125)،

-كان صلوات ربي عليه يصبر على من يسيء إليه من المسلمين، بل ويلتمس العذر في ذلك، فعن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "«قَسَمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِسْمةً»، فقال رجلٌ من الأنصارِ: واللهِ ما أرادَ محمدٌ بهذا وجهَ اللهِ، فأتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فتمعَّرَ وجهُه، وقال: «رَحِمَ اللهُ موسى لقد أوذيَ بأكثرَ من هذا فصبرَ».

 

 

من جميل الشعر في الصبر

ولربَّ نازلةٍ يضيقُ بها الفتى ... ذرعـاً وعند اللهِ منهـــا المخـــرجُ

ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتهـا ... فرجتْ وكنتُ أظنُّهـا لا تفــرجُ

........................................

إذا ما أتاكَ الدهـرُ يومـاً بنكبـة ... فأفرغ لها صبراً ووسع لها صدراً

فإنَّ تصاريـف الزمـان عجيبـة ... فيوماً ترى يُسراً ويوماً ترى عسراً.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل