مقالات مختارة
مرة أخرى تؤكد محاكم الاحتلال وما يسمى بالمحكمة العليا، دورها الرئيسي في قرارات المؤسسة الحاكمة لسلطات الاحتلال ولسياسات العدوان والقمع التي تستهدف الشعب الفلسطيني والأسرى الفلسطينيين على وجه الخصوص. والعدالة والمسؤولية القانونية ليست سوى غطاءً زائفاً لتبرير جرائم الاحتلال المتلاحقة على كل المستويات.
لقد جاء القرار الأخير بالمصادقة على فترة الاعتقال الإداري للأسير ماهر الأخرس و(التوصية) وبتعليق هذا الاعتقال التعسفي، لتحسم حقيقة الشراكة الفعلية في القرار المتخذ بهدف إعدام الأخرس والإبقاء على سياسة الاعتقال الإداري الظالمة والجائرة والتي تُنفّذ خارج نطاق القانون الدولي كوسيلة لممارسة القهر والتنكيل بحرية أبناء الشعب الفلسطيني وإخضاعهم لمخططات أجهزة المخابرات الإسرائيلية من خلال تحديد أنواع العقوبات والإرهاب الذي تمارسه بحقهم.
سياسة الاعتقال الإداري التي يمارسها الاحتلال منذ عقود والتي طالت الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، استدعت في السنوات الأخيرة إعلان العديد من الأسرى الإداريين إضرابات مفتوحة عن الطعام لوقف تجديد اعتقالهم المتكرر والذي لا سقف زمني له سوى الذي تقرره أجهزة المخابرات الإسرائيلية؛ بعضهم أمضى سنوات طويلة على غرار الأسير المناضل الراحل أبو عوض الجمال وغيره من قادة ومناضلي شعبنا.
إن هذه القضية الرئيسية التي تتصدّر المواجهة مع الاحتلال، تتطلب فعلياً وقفة تقييم جادة ومسؤولة لكشف جميع الأبعاد المتصلة بالاعتقال الإداري والخطوات الواجب اتباعها حتى نتجاوز الواقع الراهن وما يترتب عليه من معطيات يحاول الاحتلال وأجهزته القمعية توظيفها للتوغل في هذه الممارسات والاستفراد بالأسرى الذين ينخرطون في هذه المعارك الملحمية، فيأتي الاعتقال الإداري الجائر كسيف مسلط على حرية الأسرى.
ومع اليوم الثالث والثمانين للإضراب البطولي للأسير ماهر الأخرس وإلى حين توفر الظروف الملائمة للدخول في هذه المراجعة سواء من قبل الأسرى الإداريين أو من قبل الأوساط المختصة بشوون الأسرى والقوى السياسية والمنظمات الأهلية والحقوقية، ستبقى الأولوية المطلقة الآن في تفعيل كل عوامل الإسناد والدعم للأسير ماهر من أجل الانتصار في هذه المعركه وإجبار الاحتلال بكافة مستويات القرار الرسمي على التراجع عن قرار الإعدام المتخذ بحق البطل ماهر الأخرس.
اليوم ماهر الأخرس يقاتل بما تبقى من مقومات الحياة الجسدية للدفاع عن حق الحرية وعن إرساء معادلة واضحة إزاء الاعتقال الإداري. لم يتطلّع ماهر الأخرس للحلول الفردية والمساومات التى تخفف عنه مدة الاعتقال ولم يقبل بجميع الوعود الكاذبة لإقناعه بضرورة فتح الطريق أمام خيارات جديدة في مواجهة الاعتقال الإداري وضرورة إسقاط هذه السياسة المجرمة التي تثقل كاهل جميع الأسرى الإداريين. إنه مبدأ الحرية أو الشهادة، قرار كبير وحاسم وشعار استراتيجي يدرك المحتلون أبعاده على كافة مستويات الصراع مع الشعب الفلسطيني.
والمهم أيضاً أن هذه الملحمة البطولية تتطلب من المحامين الفلسطينيين الممثلين بنقابة المحامين والمؤسسات القانونية الأخرى العاملة في الأراضي الفلسطينية وذات العلاقة مع المؤسسات الإقليمية والدولية، المبادرة العاجلة لتنظيم أوسع التحركات والأنشطة في مواجهة سياسة الاعتقال الإداري. تهدف هذه التحركات إلى فضح زيف المحاكم الإسرائيلية وإظهار حقيقة دورها في تغطية جرائم الاحتلال التي تجلّت بأبشع صورها في قضية الأسير ماهر الأخرس.
الجسم القانوني الفلسطيني شريك فاعل ورئيسي في هذه المعركة. من الضروري في هذا المضمار مشاركة المنظمات الدولية ومساندتها في رفع الصوت عالياً ضد الاحتلال وتعرية ممارساته ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم التي تجري خارج نطاق القانون الدولي والإنساني والتي تنفذ الإعدام العلني المباشر عبر القتل البطيء واليومي.
هذه ليست المرة الأولى التي تتمّ فيها المواجهة مع سياسة الاعتقال الإداري. فقد سبقتها جولات أخرى في السنوات الأخيرة حيث أصبح من الأهمية القصوى، في ظلّ الشروط والعوامل المؤثرة، إرغام سلطات الاحتلال على الرضوخ للمعايير القانونية والإنسانية الدولية وشرعة حقوق الإنسان، ولا ينبغي أبداً التقليل من حجم هذه التضحية الإنسانية والوطنية المميزة التي يجسدها اليوم ماهر الأخرس بصموده الأسطوري وعذابات أسرته الباسلة، وينبغي الالتحام في هذه المعركة لتكون فرصة حقيقية لإعادة تحشيد الطاقات وتوسيع المواجهة مع الاحتلال وتكبيده الخسائر على كافة المستويات وتغيير قواعد الاشتباك لإرغامه على مراجعة حساباته الراهنة والمستقبلية.
ماهر الأخرس اختار الانتصار في كل الظروف وسيكون حراً في حياته أو استشهاده وهذه هي ملاحم الأبطال عبر التاريخ الذين يبعثون الإلهام والأمل ويبشرون بانتصار الحق على الظلم والقهر.
مصطفى مسلماني ـ الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً