الثبات – مقالات
سلسلة قضايا الشباب
الشباب في القرآن الكريم
الشيخ الطبيب محمد خير الشعال
بسم الله الرحمن الرحیم
قال ربنا تبارك وتعالى: {نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً}، وقال تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ}، قال ابن كثير: هم الشباب.
وقال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ"، وقال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: "اغتنِمْ خمساً قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك".
لأننا - نحن المسلمين - أصحاب كتاب منزل فنحن ننظر في قضايانا إلى الأعلى ولا ننظر فيها إلى الأسفل، ونتقلى مبادئنا من حقائق القرآن، ولسنا نأخذها من نظريات الإنسان، وندرس أمورنا معتمدين على قوة السماء، ولسنا ندرسها متكئين على شهوات الأرض لكل هذا ذهبت بادئ ذي بدء في هذه السلسلة.
أبحث في القرآن الكريم عن الشباب، أبحث في تعاليم السماء عن الشباب، أبحث في الملأ الأعلى عن الشباب، فوجدت حديثاً طويلاً فيه عن الشباب غير أنَّي اخترت لكم مما قرأت آية واحدة، ونموذج واحداً يسمح به الوقت.
قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} الله الذي خلقكم من ضعف يعني ضعف الجنين والوليد والطفل، ثم جعل من بعد ضعف قوة يعني قوة الشباب، وكلمة ضعف لها قراءتان معتمدتان عند الحفاظ: ضَعف بفتح الضاد وضُعف بضمها، قال كثير من اللغويين إَّن الضعف بالفتح ما كان في العقل، وبالضم ما كان في البدن، وبناءً عليه فإنَّ وصف القرآن الكريم الشباب بالقوة مراده قوٌة في العقل وقوٌة في البدن.
نعم أيها هكذا ينظر القرآن الكريم إلى الشباب فهم قوٌة في البدن وقوٌة في العقل، قوة في العقل تحمل هموم الأمة الثقال وقوٌة في البدن تعينه على تحقيق الآمال ولا عجب في ذلك فأصحاب الرسالات كلُّهم كانوا شباباً، صمدوا بمعونة الله وبقوة عقلهم أمام مغريات الحياة ومخاوفها ليحققوا سعادة الإنسان على هذه الأرض، أمَّا أعداء المسلمين فإنَّهم أرادوا أن يصوروا الشاب أنَّه ضعيف أمام شهواته، ضعيف، أمام إغراء المال والنساء، ينهار أمام كأسٍ وغانية، ويتساقط على أبواب الحانات والبارات.
كتب محمد إقبال فليسوف الإسلام يقول: "إني أتمنى للإسلام جيلاً جديداً من شباب القرآن شبابه طاهر نقي وضربه موجع قوي إذا كانت الحرب فهو في صولته كأسد الشِرى، وإن كان الصلح فهو في وداعته كغزال الحمى، يجمع بين حلاوة العسل ومرارة الحنظل، هذا مع الأعداء وذاك مع الأولياء، إذا تكلم كان رقيقاً رفيقاً، وإذ جَدَّ في الطلب كان شديداً حفياً...إذا كان بين الأصدقاء كان حريراً في النعومة وإن كان بين الأعداء كان حديداً في الصلابة...يجمع بين جلال إيمان الصديق وقوة علي وزهد أبي ذر وصدق سلمان، يقينه بين أوهام العصر كمصباح الراهب في ظلمات الصحراء، يُعْرَفُ في محيطه بحكمته وفراسته، وبآذان السَّحر، يقتنص النجوم ويصطاد الأسود ويباري الملائكة".
-أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الطاغية قيصر عظيم الروم: تنصر وإلا ألقيتك في البقرة - والبقرة قدر من نحاس يوضع فيه زيت توقد عليه النار حتى يغلي - قال عبد الله: هيهات ... إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه، فدعا بالبقرة ودعا برجلٍ من أسرى المسلمين فعرض عليه النصرانية فأبى فألقاه في البقرة فإذا عظامه تلوح على مرأى من عبد الله، فقال قيصر لعبد الله: تنصر، فقال: ما أفعل فأمر به أن يلقى في البقرة، فبكى، قال: ردوه قال عبد الله: لا تحسب أني بكيت جزعاً مما تريد أن تصنع بي ولكني بكيت حيث ليس لي إلا نفس واحدة يفعل بها هذا في الله، كنت أحب أن يكون لي من الأنفس عدداً كلِّ شعرة فيَّ ثمَّ تسلَّط علي فتفعل بي هذا، قال: فأعجب منه الطاغية، فقال له: تنصر وأزوجك ابنتي وأقاسمك ملكي، قال عبد الله: والله لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملك العجم على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما رجعت، قال الطاغية: قبِّل رأسي وأطلقك وأطلق معك ثمانين من المسلمين، قال: أما هذه فنعم، فقبل رأسه وأطلقه وأطلق معه ثمانين من المسلمين فلما قدموا على عمر بن الخطاب قام إليه عمر فقبل رأسه قال: فكان أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم يمازحون عبد الله فيقولون: قبَّلت رأس علج فيقول لهم: أطلق الله بتلك القُبلة ثمانين من المسلمين.
-رَّن هاتف المنزل في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، قمت مسرعاً وإذا شاب نحوه يتحدث هل أنت الأستاذ محمد خير، نعم يا أستاذ أنا فلان الفلاني كنت معكم في المسجد في دروس القرآن من قبل سنوات خمس وقد تركتكم، هل عرفتني، قلت: نعم، هو شاب في الثالثة والعشرين من عمره الآن، خيراً، قال: أنا محتاج إليك جداً يا أستاذ، ثم راح يبكي. خفت عليه وظننت أنَّه في مشفى أو في سجن، قلت خيراً: لا تخف سأكون معك وأساعدك أين أنت الآن؟، قال المنزل، لما قال طمأنني، قلت خيراً ما الأمر؟ قال: أحببت فتاة وعلقت بها وأريد الزواج منها، أبي لا يوافقني والفتاة ستخطب خلال هذين اليومين أرجوك لا يوجد أحد يستطيع أن يقنع أبي إلا أنت، وعاد إلى البكاء، طمأنته.. وهدأت من روعه، وقلت لا بأس الآن الوقت متأخر جداً، اذهب إلى النوم الآن وسنلتقي غداً الساعة الحادية عشرة ظهراً في المسجد قال: نعم، وفي اليوم التالي دخلت المسجد في الموعد المحدد وإذا به يراني فيسرع نحوي ثم يضمني كغريق أمسك بمنقذه ثم يبكي، والله أيها الإخوة كاد أن يسقط أرضاً قلت له: أهدأ الناس حولنا فسكن ثم جلس، قلت حدثني من الفتاة، ماذا تدرس، من أبوها، ما دينها، ما خلقُها، ما عمرها، فإذا هي بائعة هوى أغرته بألحاظها ثم ألفاظها ثم رسائلها ومكالماتها وهي غير مناسبة أبداً عمراً ولا خلُقاً ولا أسرةً ولا علماً ولا مكانةً، وبالكاد وبعد جهد جهيد مني ومن أسرته حتى استطعنا صرفه عنها وصرفها عنه.
الشباب في القرآن قوة في العقل والبدن والإيمان والعزيمة
-قال يزيد بن ميسرة، إنَّ الله تعالى يقول: أيها الشاب التارك شهوته لي، الباذل شبابه من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي.
-وقال مريح بن مسروق: ما من شاب يدع لذة الدنيا ولهوها، ويُعمل شبابه لله تعالى إلا أعطاه الله تعالى مثل أجرِ الصدِّيقين.
خلاصة الأمر:
أيها الشَّاب المسلم أرادك القرآن أن تكون قوي فلا تضعف، عزيز فلا تذِل، كبير فلا تَصغُر، قوي بالحق، عزيز بالطاعة، كبير بالعلم والعمل، إن تمسكت بالإسلام سيزيدك الله هدى وسيربط على قلبك.