الثبات - إسلاميات
إن مفهوم التطبيع، مشتق من مصطلح الطبيعة، الذي يتخذ عدة دلالات، وله خصائص مادية معينة، والطبيعة عند ابن منظور، هي الخليقة والسجية، التي فطر الله عليها الإنسان، ويقصد بها مجموع الخصائص، التي لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الظروف والعوارض، وبتعبير آخر، هي باطن الشيء أو جوهره وماهيته، وهو ما يسميه إيمانويل كانط بالنومين، أو الشيء في ذاته، أي الشيء الثابت، يعتقد الكثيرون أن مصطلح التطبيع، مصطلح معاصر، ظهر مع الصراع العربي الصهيوني، و استخدمه الرئيس المصري أنور السادات، بعد هزيمة1967م كشعار للسلام، ودعوة لنسيان العدوان الإسرائيلي، والسكوت على الجرائم اليومية، التي يرتكبها في حق أبناء فلسطين، واعتباره صديقا، يمكن التعامل معه سياسياً واقتصادياً، وبذلك يتحطم الحاجز النفسي، الذي يفصل بين العرب وإسرائيل، ولكن مفهوم التطبيع، ارتبط في ذهن الشعوب العربية والإنسان العربي، بالكراهية والرفض؛ لأنه يقتضي إنهاء المقاطعة، ويهدف إلى تحويل علاقات الصراع مع إسرائيل، إلى علاقات طبيعية، بدون مقاطعة ولا مقاومة، يحصد من ورائها العرب الاستسلام العسكري، والهوان السياسي، والاستلاب الثقافي، والارتهان الاقتصادي، والفساد الإداري، والسقوط الأخلاقي... وتحقق إسرائيل قيام دولتها، وأمان حدودها، وتفوق عسكرها، وضمان نشاط مؤسساتها الاقتصادية، والسياسية، والمخابراتية، وقضاء حاجات و مآرب أفرادها الخسيسة والوضيعة، دون أن تمكن العرب من الأرض مقابل السلام العادل والدائم، الشعار الذي تدغدغ به إسرائيل مشاعرهم.
إن أسلوب التطبيع قديم، قدم الشيطان اللعين، الذي جربه مع أبينا آدم، إذ زين له المعصية، واعدا إياه بالخلد والملك الذي لا يبلى، {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} سورة الأعراف-الآية 20، وما زال يقسم على ذلك، حتى، صدّق آدم - عليه السلام -، بأن شجرة الزقوم، التي تنبت في أصل الجحيم، وطلعها كأنه رؤوس الشياطين، هي بالفعل شجرة الخلد، وأن الملك الذي لا يدوم لغير الله، يمكن أن يدوم له، إن هو أكل من الشجرة، فكانت نتيجة هذا التصدق، الطرد من الجنة، كما هو واضح من قوله - تعالى -: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} سورة الأعراف-الآية 19- 22، فالغواية وتزيين الأعمال المنكرة، وتجميل صورة الهوى والظلم والفساد وتحسين الباطل وتقبيح الحق، أسلوب تطبيعي تلبيسي، أشهره إبليس كسلاح لغواية بني آدم، كما هو واضح في العديد من الآيات الكريمة كقوله - تعالى -: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} سورة الأعراف-الآية 16، والنفس الأمارة بالسوء رفيقة الشيطان، وشريكته وحليفته ومعاونته على إضلال ودمار الإنسان وهلاكه في الدنيا ولآخرة، هي الأخرى، مارست التطبيع وتمارسه، لتسهل وتشجع على ارتكاب المعصية، وقد حذرنا - سبحانه وتعالى - منها، في أكثر من آية كقوله - تعالى -: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} سورة المائدة-الآية30. إن اليهود ومن على شاكلتهم استوعبوا خطب الشيطان، التي تدعو إلى التطبيع مع المعصية والفساد، وأخذوا بنصائحه، فمارسوا التطبيع على مر التاريخ، إذ نجدهم يحرفون الكلم عن واضعه:{ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} سورة المائدة-الآية41.
التطبيع شر مطلق يغضب الله سبحانه وتعالى ويغضب رسوله صلى الله عليه وسلم.
المصدر: مواقع الكترونية