منصّات التواصل .. جبهات ومساحة استهداف

الثلاثاء 08 أيلول , 2020 10:12 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

مع دخول منصّات التواصل إلى كافة البيوت، وتحوّلها إلى أداة تعبير متاحة وسهلة ومتوفرة لدى الجميع، كان من الطبيعي أن تتحوّل إلى ساحة تعكس كافة أنواع الصراعات المجتمعية التي تبدأ من جدل حول مباراة لكرة القدم ولا تنتهي بالانقسامات السياسية التي تشهدها المجتمعات.

وحين نتحدّث عن لبنان، يمكن ملاحظة الكمّ الهائل من المواضيع الخلافية التي تدور على منصّات التواصل الافتراضي. من هنا، كان من الطبيعيّ أن يتخذ الأميركي وأدواته من هذه المنصات مساحة يستهدف عبرها بيئة المقاومة في كافة دول المحور المعادي لأميركا بوصفها رأس أفعى الإرهاب والشرّ. ولذلك، أصبح من الواضح جدًا تشكّل جبهة إعلامية - تواصلية تعمل على منصات التواصل بموازاة عملها الإعلامي في الصحافة المكتوبة و/أو في قنوات المرئي والمسموع.

في هذا الإطار، ومن ضمن سياسة "اكذب.. اكذب.."، شكّلت وسائل التواصل وسيلة لتمرير الكثير من الأفكار المغلوطة ومن المواقف التي قد تتخذ شكل "مزحة" حينًا أو كلامًا سطحيًا يبدو عابرًا. وهنا، يمكن الحديث عن "التنميط" كسلاح  يهدف إلى تحقيق الأذى المعنويّ والنفسيّ المباشر في تركيبة بيئة المقاومة. يعرف مستخدمو هذا السلاح في غالب الأحيان أنّ ما يسوّقون له ليس حقيقيًا، بل يعرفون أنّهم يقومون بتسويق الأوهام من ضمن دورهم الوظيفي كأدوات يحرّكها الأميركي بشكل مباشر أو غير مباشر.

هذا التنميط لم يقتصر على تركيب شخصية "علوشي" التي شاع استخدامها لتوصيف ابن بيئة المقاومة، بل سبق هذه الشخصية الكثير من السموم التي عكست نيّة مروّجيها واجتهادهم في سبيل وضع أبناء هذه البيئة في دائرة استهداف ثقافي واجتماعي وأخلاقي. لقد بدأ التنميط منذ سنوات.

من مِنا لم تستوقفه حملة الاستهجان حيال نتائج الامتحانات الرسمية التي جاءت مبهرة في مدارس الضاحية والجنوب، والتي قادتها إحدى محطات التلفزة الشهيرة باختراع الفتن وبثّها وتغذيتها؟ ومَن مِنا لم يلاحظ كيفية تعاطي "الجمهور الافتراضي" المعادي لبيئة المقاومة مع الإيجابية والتفاؤل اللذين تحدثت بهما صبيّة ترتدي العباءة؟ ولن تنتهي هذه المحاولات، البعيدة بظاهرها عن السياسة والموقف السياسي، بالڤيديو الذي انتشر وموضوعه باختصار هو الإيحاء بأن "الشيعيّ" يقلّ عن باقي مكوّنات المجتمع اللبناني من حيث المستوى التعليمي وغيره. هذه الأمثلة وغيرها الكثير هي سلسلة من استهدافات مدروسة ومجهّزة مهما بدت سطحية، ولا يمكن النظر إليها بدون وضعها في سياقها الواقعي والذي يمكن تسميته استهدافًا حقيقيًا ومنهجية مدروسة. ولا يمكن مواجهة هذا الاستهداف باستهداف مضاد ومشابه. بهذه الحال، سيكون الأميركي وزمرته قد نجحوا باستدراج بيئة المقاومة إلى حضيضهم. ولا يمكن ردّ الهجوم بالدفاع في كلّ مرة، وبتوضيح الشبهات التي تنتشر. على سبيل المثال، لا أحد من هذه البيئة، كأفراد أو كجماعات، مجبر على إثبات مستواه العلمي واتقان اللغات الأجنبية أو عدمه، لأسباب عديدة تبدأ بعدم الخضوع للمعايير "الحضارية" بنظر الغرب والمستغربين، ولا تنتهي بحقيقة أن هذا المعيار المستحدث هو حلقة من سلسلة الاستهدافات التي لا ينبغي السقوط في فخ تفكيكها أو تجزئتها. ردّ هذا الاستهداف يكون ببساطة بكشف وجه المقنّع الذي يديره، وبربطه في كلّ مرة بكلّ ما سبقه ضمن السياق ذاته. بهذه الطريقة، سيفشل هؤلاء في محاولاتهم المتكرّرة لاستفزاز الناس، وشيئًا فشيئًا سيكتشف هؤلاء عقم سلاحهم هذا.

هي الحرب، وجميعنا جزء منها. منصات التواصل وبشكل متوازٍ مع الإعلام هي ساحة من ساحات هذه الحرب. وبهذا يصبح كلّ فرد منّا مسؤولًا عن تأمين حيّزه بمواجهة كل الأسلحة التي تظهر ضدّنا، ومسؤول أيضًا عن كشف حقيقة الجبهة التي يتضّح يومًا بعد يوم أنّ دورها هو الاستفزاز والاستدراج وربما التوريط.

 

المصدر: العهد


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل