مقالات مختارة
– خلال أسبوع واحد كانت اللقاءات التي عقدها معاون وزير الخارجية الأميركيّة ديفيد شينكر مع النواب المستقيلين، وعدد من الجمعيات التي تقدم نفسها كقيادة للحراك الشعبي الذي انطلق ضد الفساد في 17 تشرين من العام الماضي، وخطاب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، تحاول إقامة توازن سياسي وإعلامي مع المناخ الذي خلقته حركة الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون، التي شكل حدثها الأبرز الانفتاح على العلاقة بالمقاومة، والتخلي عن رهانات العزل والحصار، وبات معلوماً أن حركة ماكرون تحظى بدعم أميركي يشبه التكليف أكثر من الدعم، وقد حاولت هذه الأطراف الإيحاء بالتلاقي مع أهدافها والتشكيك بجدواها في آن واحد، على خلفية خطاب تلاقت هذه الجماعات على مضمونه، وعبر عنه بوضوح رئيس القوات سمير جعجع في كلمته أمس.
– الخطاب الموازن في الشكل يحمل الكثير من المزاعم والمبالغات، سواء لجهة الحجم أو لجهة الدور والموقف، فمدعاة للسخرية أن يصير هؤلاء آباء ثورة تشرين ويملك كل منهم منفرداً حق التصرف بأبوتها لينسبها كل منهم إلى من يشاء، وأن يحاضروا بعفة سياسية ومالية، وقد كان بعضهم شريكاً حتى نخاعه الشوكي في النظام قبل الطائف وخلاله وبعده، وبعضهم الآخر يمثل ميليشيات قام تاريخها على اغتصاب حقوق الدولة، ويروي لنا الرئيس السابق أمين الجميل في كتاب مذكراته فضيحة الاسترداد المنقوص للحوض الخامس لمرفأ بيروت إلى عهدة الدولة في عهده، بعد مفاوضات شاقة مع القوات انتهت لتخصيص مبلغ مقطوع من المالية العامة للدولة لصندوق القوات، بصفتها خوة نظامية مشرعنة بالجملة بدلاً من خوات تفرض على المواطنين بالمفرق، أما بعضها الثالث فجمعيات تعتاش على التمويل الخارجي بداعي العمل الإنساني أو التبشير بالإصلاح، لكن التحقيقات الأممية في كيفية تعاملها مع أموال مخصصة لدعم النازحين السوريين تكشف ما يندى له الجبين من لصوصية وسرقات، والحكايات المتداولة حول ما يرافق المساعدات المخصّصة لمتضرّري تفجير مرفأ بيروت لا تبدو مختلفة.
– افتقاد الخطاب وأصحابه إلى الصدق والمصداقية لا تعوّضه النبرة العالية، ولا يُخفيه الصراخ، ولا لغة التحدي الميليشياوي من جهة، أو إنكار التاريخ من جهة موازية، لكن الأهم هو مأزق الخطاب الموحّد من حيث المضمون، وبعيداً عن التوابل التي يقوم برشها على صحن المائدة كل فريق ليضفي نكهته على الصحن الموحّد، يتكون هذا الصحن من عنصرين، على طريق «ملوخية» سامي الجميل، وهما برغل ولحم لصناعة «كبة نية» سيكتشف من يتذوّقها أنها رغم كل أنواع الكمون والبهارات وزيت الزيتون، تسبّب عسر الهضم ويصعب ابتلاعها، والعنصران هما، «برغل» مسؤولية السلاح و«لحمة» الانتخابات المبكرة، وسرعان ما يكتشف المتذوق أنهما عنصران غير قابلين لتكوين جبلة واحدة، فمقدّمة الخطاب الصادر عن جميع أصحاب الصحن الموحّد لطبق شينكر، ترتكز على فكرة مكررة يتم تلخيصها وتوسيعها وشرحها ومقاربتها من باب «مار مخايل» أو من باب «مرفأ بيروت» أو من باب خسارة الدعم الدولي والعربي، وتقول الفكرة إن سلاح المقاومة هو علة العلل وهو اصل المشاكل، والفكرة الثانية التي تشكل جوهر الحل وفق الخطاب الموحّد، تقول بكل اللغات واللهجات تقوم على الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة تعيد تشكيل السلطة السياسية، وينتظر منها تغيير التوازنات، مرّة تحت عنوان تغيير وجهة الأغلبية النيابية وفقاً لخطاب جعجع، ومرة تحت شعار إسقاط «الطبقة السياسيّة الفاسدة» والمجيء بممثلين مدنيين للشعب من صفوف «الثوار».
– المشكلة ليست بنصفَيْ صحن شينكر الموحّد، كل على حدة، بل بجمعهما معاً، ففي النصف الأول، لا شرعية للانتخابات في ظل السلاح، وفي النصف الثاني نزع شرعية السلاح تتم عبر الانتخابات، ولا تشبه هذه الثنائية الملفقة إلا ثنائية الحياد والتوافق، فلا توافق إلا على الحياد، ولا حياد بدون توافق، وعلى أصحاب دعوتي إنهاء عهد السلاح والحياد أن يخبرونا، هل لديهم خطة لتحقيق الهدفين عبر الحوار مع حلفاء السلاح وأصحابه وجمهوره أم بكسرهم وكيف، وهل يرون الانتخابات طريقة مناسبة للكسر، وهل يعتبرونها شرعية رغم وجود السلاح وقبل كسر التحالف السياسي المؤمن بدور السلاح و المتمسك ببقائه، وإذا كانت هذه خريطة طريقهم فهذا يعني أنهم يثقون بأن السلاح ديمقراطي، ولا يتدخل في شؤون تكوين السلطة، ولا يسبب علة للطعن بنتائج الانتخابات وشرعيتها؟ وهذا يعني أن هذا السلاح لا يقلقهم، وأن أصحاب السلاح صادقون بأنه لا يستخدم إلا لوجهة واحدة هي من يجب أن يشعر نحوه بالقلق، وهو لا يشكل مصدراً للقلق إلا لعدو يحتل أرضاً ويتربّص شراً بالبلد، فلماذا يقيمون قيامتهم عليه إذن ويعتبرونه علة العلل، فيشاركون هذا العدو حملته للتخلص من هذا السلاح ليطمئن هو ويرتاح، ويقلق لبنان على أمنه وسيادته، بينما هم بكل عنفوان ونبرة عالية واثقون من الانتصار على ما يسمونه بحلف السلاح في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة رغم وجود هذا السلاح؟
ناصر قنديل ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً