الثبات - التاريخ الإسلامي
أهم الأحداث في شهر محرم
معركة نهاوند
قائد المسلمين النعمان بن مقرن ومعه ثلاثون ألفاً، وقائدها من الفرس ذو الحاجب، وقيل: الفيرزان، ومعه مائةٌ وخمسون ألفاً.
وسُمِّيت فتح الفتوح؛ لأنَّ الفرس بعد هزيمتهم في هذه المعركة لم تَقُم لهم قائمة، ولم يستطيعوا أن يعبئوا مِثلَ هذا العدد فيما بعد، بل تشتَّتوا في البلاد، ومالوا إلى الدسائس والمؤامرات على المسلمين.
كان المسلمون قد انتصروا على جيوش الفرس في معارك عديدةٍ متتاليةٍ، وأضحوا يطاردون فلول تلك الجيوش دون أن يتركوا لها فرصةً لالتقاط أنفاسها، فمنذ انتصارهم السَّاحق في معركة القادسيَّة بالعراق حتَّى المعركة الحاسمة في نهاوند، مرَّت أربع سنوات كان المسلمون ينتقلون خلالها من نصرٍ إلى نصرٍ، وكانت تلك الجيوش تتابع تقدُّمها؛ لكي تقضي على ما تبقَّى من فلول جيوش الإِمبراطوريَّة الهرمة، لولا أنَّ أوامر الخليفة عمر رضي الله عنه كانت تقضي بالتَّوقُّف أمام جبال زغروس، وعدم تجاوزها، وذلك بغية إِعادة تنظيم الجيوش المنهكة من القتال المستمرِّ، وتنظيم إِدارة الأقاليم المفتوحة.
ولقد أثارت الهزائم المتتالية الَّتي ألحقها المسلمون بالفرس بعد القادسيَّة خاصَّةً حفيظتهم، وحنقهم، ولم تكن كافيةً على ما يبدو للقضاء نهائيَّاً على مقاومتهم، فكتب أمراؤهم، وقادتهم إِلى مليكهم (يزدجرد)، يستنهضونه للقتال من جديد، فعزم عليه، وأخذ يعدُّ العدَّة للعودة إِلى قتال المسلمين فيما تبقَّى له في بلاده من معاقل، ومعتصمات، فكتب إِلى أهل الجبال من الباب إِلى سجستان، فخراسان أن يتحرَّكوا للقاء المسلمين، وواعدهم جميعاً نهاوند، وكان قد وقع عليها الاختيار كمركزٍ أخيرٍ للمقاومة، وكميدانٍ للمعركة الحاسمة، فهي مدينةٌ منيعةٌ تحيط بها الجبال من كلِّ جانب، ولا يمكن الوصول إِليها إِلا عبر مسالك وعرةٍ صعبةٍ، وقد تحشَّد الفرس في هذه المدينة، واجتمع ليزدجرد فيها مئةٌ وخمسون ألف مقاتل: ثلاثون ألفاً من الباب إِلى حلوان، وستُّون ألفاً من خراسان إِلى حلوان، ومثلها من سجستان إِلى حلوان، فجعل يزدجرد عليهم الفيرزان قائداً.
فلما بلغ ذلك عمرَ بن الخطاب، أرسل إلى النعمان يولِّيه قيادة الجيش المتَّجِه إلى نهاوند، وكان معه عددٌ من الصحابة مثل: حُذيفة بن اليمان، وعبدالله بن عمر، وجَرير بن عبدالله البَجَلي، والمُغيرة بن شعبة، وغيرهم من أبطال العرب، ولما وصل الجيش إلى نهاوند إذا بحسكِ الحديد يدخل في حافر فرس، فتوقَّف الجيش، ثم اكتشفوا أن العجم قد بثوا الحسك في الطريق، فاستشار النعمان أصحابه فيما يفعله، فقالوا: نريهم أننا منهزمون ثم نكرُّ عليهم، ففعلوا ذلك، فخرج الفرس في إثرهم بعد أن كنسوا الحسك، فانعطف عليهم المسلمون بعد أن عبأ النعمان كتائبَه وصلَّى بالمسلمين الذين معه الجمعة، ودارت معركةٌ حامية بين الطرفين، وكان الفرس قد شدُّوا جنودهم بالسلاسل؛ حتى لا يفرُّوا، لكن الدائرة دارت عليهم وبدا تفوق المسلمين، وفي خضمِّ هذه المعركة أصيب النعمان بسهم قاتل، فسقط شهيداً، وكان بجانبه أخوه سُويد، فلبس ثيابه وقاتَلَ وهو يكتم خبر استشهاد أخيه؛ حتى لا يصاب الجند بالجزع والتردد فتنقلب نتيجة المعركة، ولما فتح الله على المسلمين نهاوند، دفع سويد الرايةَ إلى حذيفة بن اليمان؛ حيث أوصى له النعمان بالقيادة إن استشهد.
وفي هذه المعركة أصيب الفرس إصابةً لم يرَوا مثلها، وفقدوا أكثر من مائة ألفٍ سوى مَن قُتلوا في الطلب، وسقط منهم في "اللهب" وهي حفرة كبيرة المسلسلون، وفر الفيرزان، فأتبعه نعيم بن مقرن أخو النعمان، فأدركه قرب ثنيَّة همذان، وفي الثنية بِغالٌ كثيرة محمَّلة بالعسل قد سدت الطريق بكثرتها فحبَسته عن الهرب، فأدركه نعيم وقتله على الثنية (مرتفع)، فقال المسلمون: "إن لله جنودًا من العسل"؛ حيث حبس بسببهم وغنم المسلمون الأحمال، واستسلمت نهاوند ومدن همذان وخراسان وفارس.
وهناك رواية أخرى حول استشهاد النعمان جاء فيها: وقاتلهم المسلمون يومي الأربعاء والخميس والحرب سِجالٌ، ثم إنهم دحروا يوم الجمعة فاختبأ الفرس خلف خنادقهم، وطال الحصار والفرس لا يخرُجون، ثم استشار النعمان أصحابَه في حيلة لكي يخرجوهم من حصونهم وخنادقهم، فكان رأي طُليحة بن خُويلد بأن تتحرَّش الخيل بهم ثم تفر أمامهم، ففعلوا ذلك وأطمعوهم بالهزيمة، فخرج الفرس وكان القتال على أَشُدِّه، وكثر القتلى من الفرس، حتى زلقت الأرض بالناس والدواب من كثرة الدماء، وقيل: إن فرس النعمان زلقت به فسقط وصُرع رحمه الله.
أهمية معركة نهاوند العالمية
كان أمراً مهماً في تاريخ العالم في الحقيقة أن يستطيع المسلمون في غضون عشر سنوات من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يهزموا الإمبراطوريتين، البيزنطية والفارسية. ولكن في حين نجا البيزنطيون، فإنَّ الفرس الساسانيين لم يكونوا محظوظين بنفس المقدار. وبينما كان المسلمون يفتحون بلاد الشام، فقد كانوا يقاتلون الفرس أيضاً، والذين تلقوا هزيمة حاسمة في معركة القادسية في العام 636، حيث تمكن العرب من فتح العراق. وعند تلك النقطة، لم يكن كل شيء قد ضاع من أيدي الفرس الذين كانوا ما يزالون آمنين في إيران وآسيا الوسطى. ولكن وعلى عكس البيزنطيين وعاصمتهم البعيدة، القسطنطينية، فإنَّ عاصمة الفرس، المدائن (قرب بغداد)، فُقدت وبالتالي شعر الفرس بأنهم ملزمون باستعادة العراق، مما أفضى إلى استدراج المزيد من الحملات العربية ضد فارس، والتي لم يكن مخططاً لها قبل ذلك.
وهكذا جاءت معركة نهاوند والتي شكلت كارثة كبيرة للفرس وانتصار الانتصارات للمسلمين. وتقع نهاوند في غرب إيران بالقرب من همدان، وكان يُعتقد أن التضاريس الجبلية ستعطي المزية للفرس، ومرة أخرى كان عدد قوات العدو يفوق عدد العرب، لكن الأخيرين لجأوا إلى الحيلة الحربية حيث نشروا شائعة تقول إنَّ الخليفة قد مات، وهو ما دفع الفرس إلى الخروج من دفاعاتهم وتحصيناتهم إلى سهل مكشوف، حيث هُزموا في غضون ثلاثة أيام، وبعد هذه المعركة، لم يكن بالوسع إنقاذ فارس التي أصبحت منهكة بسبب الحروب مع العرب والبيزنطيين، ثم أصبحت الهضبة الإيرانية كلها مكشوفة أمام العرب الذين سرعان ما غزو إيران ثم آسيا الوسطى.