الثبات - مقالات
فتاوى الخيانة (التطبيع)
مكر اليهود وعداؤهم للإسلام والمسلمين على مرِّ العصور لا يخفى، ووسائلهم في الدهاء والمكر لتمييع الإسلام وتضييعه أمر ظاهر لا يحتاج إلى برهان، ولما كان هذا الأمر مهماً ففي هذا الدرس بيان شافٍ وكشف فاضح لليهود وعملائهم وأشياعهم فيما يسمونه بعملية السلام (التطبيع اليهودي العربي) وهو درس مهم لكلِّ مسلم وحصانة قوية لكلِّ شاب تكسبه وعياً تاماً بما يدور حوله من التآمر عليه وعلى دينه.
ومن الضروري كذلك التذكير والتأكيد على حقيقة تاريخية، وهي أنَّ "إسرائيل" دولة مغتصِبة، تم إنشاؤها بعد احتلال أرض فلسطين وتشريد أهلها، واحتلال مدنهم وقراهم وأراضيهم، وجاء هذا الفعل بعد أن بدأ التخطيط له من قِبل المنظمة الصهيونية العالمية التي كان يرأسها ثيودور هرتزل، والتي تم انعقاد مؤتمرها الأول في بال بسويسرا في 27-29 أغسطس عام 1897م، وهو المؤتمر الذي تم الإقرار فيه على إنشاء هذه الدولة، ووضع الخطة لتحقيق ذلك. أي أن هذه الدولة لم تكن قائمة، وإنما تم غرسها في الوطن العربي عنوة وبقوة السلاح وبالظلم واغتصاب الحقوق.
وتمايز الصفوف، هو أفضل ما حصل بعد التطبيع الإماراتي الصهيوني المعلن على الملأ دون خجل أو مواربة، وصدق رسول الله ﷺ: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري، كما بات الفضاء الإلكتروني منقسماً بين فئة صامدة ومتمسكة بحقوق أمتنا في فلسطين ومقدساتها، ورافضة للكيان الصهيوني ووجوده، وبين أخرى منبطحة، تدور في أفلاك مصالحها -أو قل مصالح من يدفع لها- بين من يتجاهل القضية من الأساس ولا يعتبر أنه مهتم بها، وبين من يتفاخر بالتحدث بالعبرية ليخطب ودّ القتلة ومغتصبي الأرض، حتى وصل بأحدهم إلى طلب المسامحة من الصهاينة أنفسهم، إلى غير ذلك من الصور المشينة التي نعاينها يومياً.
هذه الفئة باتت مواقفها مفضوحة أمام الجميع، فما أكثر تناقضاتهم، ويكفيك أن تلقي نظرة على تويتر -على سبيل المثال- لتجد كيف ناقضوا أقوالهم في بضعة أشهر أو سنوات معدودة، وكل ذلك لأنهم يقومون بأدوار واضحة -كأدوار الإعلاميين والممثلين- يوجههم بها من يحركونهم، وهم جاهزون لتبرير مواقف أسيادهم، حتى لو كان بنقض كلام سابق لهم بالكلية، وهم أشبه بماكينة القهوة، أو المشروبات الباردة، فقط ضع العملة فيها، ثم اختر ما تريد!
دعاة السلاطين جاهزون لتبرير مواقف أسيادهم، حتى لو كان بنقض كلام سابق لهم بالكلية، وهم أشبه بماكينة القهوة، أو المشروبات الباردة، فقط ضع العملة فيها، ثم اختر ما تريد، إنَّ عملية التطبيع سبقت بعملية تهجين لكثير من العقول وتغيبها بالترغيب والترهيب.
هل الأمور السياسية منوطة بولي الأمر وحده؟
حينما نتكلم عن حاكم الدولة، فإننا لا نتكلم عن نبي معصوم مؤيد بالوحي يصيب ولا يخطئ، وإنما نتكلم عن بشر، لا تنزه قراراته عن الخطأ والمعارضة. فالأصل في الحاكم أنه منفذ للشريعة، وخاضع لأحكامها، والأمة لها حق توليته وعزله، وهو ليس له فضل على شعبه، بل هو رجل من الرجال، وواحد من الأمة، ووكيل عنها في إدارة شؤونها بما ترتضيه ، فلا يجوز للوكيل أن يقوم بأمر لم يرضه الموكّل، وإلا خالف العقد المبرم بينه وبين أمته.
صحيح أنَّ الحاكم أو من ينوب عنه هو الذي يقوم بعقد الاتفاقيات والمعاهدات، إذ لا يجوز عقلاً ولا شرعاً أن تقوم الأمة كلها (كعشرة ملايين، أو مئة مليون) بالتوقيع على كلِّ اتفاقية، لكن ذلك لا يعني أنَّه لا يناقش في قراراته، ولا يعترض عليه، بل هناك العديد من النصوص التي تعطي حق الأمة في النقد والإنكار، والتي سأذكرها بعد قليل.
لكن عودة إلى مفهوم الأمور السياسية، فإنَّ تصدر شخص ما للقيام بالدور السياسي لا يعطيه حصانة من الخطأ ، بل السياسة فيها خطأ وصواب، قال الفقيه المالكي ابن فرحون في كتابه تبصرة الحكام: "والسياسة نوعان: سياسة ظالمة فالشرع يحرمها. وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم، وتدفع كثيراً من المظالم، وتردع أهل الفساد، ويتوصل بها إلى المقاصد الشرعية".
بل إنَّ السياسة المبتغاة هي كما قال ابن عقيل: "ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد" (الطرق الحكمية/17).
والسؤال الأهم، هل التطبيع مع الكيان الصهيوني، يجلب المصالح للأمة، وهل يدفع الظلم عن الآخرين -أقصد الفلسطينيين- أم يكرّسه ويشجع العدو على القيام بالمزيد منه!، هل التطبيع مع الكيان الصهيوني، يجلب المصالح للأمة، وهل يدفع الظلم عن الآخرين -أقصد الفلسطينيين- أم يكرّسه ويشجع العدو على القيام بالمزيد منه!
خلاصة ما للحاكم من قرار في الأمور السياسية وغيرها لابد أن يتحلى بالأمور التالية:
1- أن لا يخالف شرع الله، وهذا لا يمكن معرفته إلا بمشاورة أهل العلم والاختصاص، فإن لم يشاور، أو كان قراراه مخالفاً لكليات الشريعة ونصوصها ومصادماً لمقاصدها كان معصية، واتباعه إثم لا شك فيه.
2- أن يكون معبراً عن إرادة الأمة، لأن الحاكم وكيل عن الأمة كما أشرت سابقاً، وعدم رضا الأمة عن ذلك يعطيها الحق في الإنكار عليه ورفض منكره، بل وحق عزله إن كان ذلك ممكناً.
وفي نفس الوقت، فإن الأمرين السابقين لا يمكن أن يصادرا حق الأمة بالاقتراح والاعتراض والنقد، لأن الحاكم ليس إلهاً لا يعترض على حكمه .
هل يجوز قياس التطبيع على صلح الحديبية؟
القياس هو إلحاق حكم الأصل بحكم الفرع لعلة جامعة بينهما. فتكون لدي مسألة جديدة، لا أعرف الحكم الخاص بها، فأجد مسألة قديمة تشترك معها بنفس العلة، فيصبح حكم الجديدة مثل القديمة، على سبيل المثال: قياس المشروبات الكحولية على الخمر، لاشتراكهما في العلة وهي الإسكار، وفي مسألتنا هذه، فإننا بحاجة إلى النظر بتأمل، لتوضيح معنى التطبيع والصلح، فالصلح الذي عقده النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش كانت ملامحه تتمثل بالآتي:
1- وقف القتال والحرب لمدة معينة (عشر سنوات).
2- عدم الإقرار على عبادة الأصنام أو الاعتراف بحقهم في الشرك بالله.
3- كان عقد الصلح مع أناس يقيمون في بلدهم بشكل شرعي فهم أهل مكة وإن كانوا كفاراً.
أما التطبيع فإنَّه يتسم بالأمور التالية:
1- لا توجد حرب مطلقاً، بل تتحول إلى علاقة تعاون وسلام دائم.
2- التبادل والتعاون في كافة المجالات، الأمنية والفكرية والثقافية والسياسية وغيرها.
3- يتم مع اليهود المحتلين وهم الذين احتلوا فلسطين و طردوا أهلها، وهم لا يقيمون فيها بشكل شرعي على الإطلاق.
بناء على هذا الاختلاف، فإنَّه يظهر أن القياس الذي يدعيه أصحاب "الفتاوى المعلبة الجاهزة" هو قياس فاسد، إذ لا يقوم على علة صحيحة منضبطة نظراً للاختلاف في حقيقة الأمرين، وهناك نقطة في غاية الأهمية تتعلق بهذا الأمر، وتتمثل بأن التطبيع يكرّس وجود المحتل، فهو يعزز من ظلمه ووجوده، وبالتالي يمده بالقوة، ونحن في الأصل مطالبون بإزالة الاحتلال، وليس بتكريس وجوده، وإعانته على ظلمه، بعمنى آخر حتى لو كان الاستدلال صحيحاً، فإنه يحرم سداّ للذريعة لأنَّ النتيجة المترتبة عليه هي فاسدة بلا شك.
التطبيع يكرّس وجود المحتل، فهو يعزز من ظلمه ووجوده، وبالتالي يمده بالقوة، ونحن في الأصل مطالبون بإزالة الاحتلال، وليس بتكريس وجوده، وإعانته على ظلمه، ولأنَّ الكيان الصهيوني يحتل أرضاً للمسلمين، فإن حكم الجهاد فرض عين، ويتعيّن علينا دفعه بكل السبل، وهذا ما نص عليه أهل العلم في كتبهم، ومما جاء فيها على سبيل المثال:
جاء في أحكام القرآن للجصاص الحنفي: "ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنَّه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أنَّ الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين وهذا لا خلاف فيه بين الأمة إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم" (4/312).
وجاء في كتاب إرشاد السالك لشهاب الدين المالكي: "إذا نزل الكفار دار الإسلام تعيّن على كلِّ من أمكنه النصرة حتى العبيد والمرأة، ولا منع للسيد والزوج والولد" (1/50).
وجاء في شرح النووي على مسلم: "قال أصحابنا الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعيّن عليهم الجهاد فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية" (13/9).
وجاء في الشرح الكبير لابن قدامة: "إذا نزل الكفار ببلد تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم" (10/368).
فهذه النصوص هي غيض من فيض، تثبت أن الواجب هو مقاومة هذا الاحتلال وإزالته لأنه احتل أرضاً للمسلمين .
خلاصة ما سبق:
التطبيع لا يقوم على أي مستند شرعي، وفي الحقيقة أنَّه ليس خلافاً فقهياً ينبغي أن نعذر بعضنا بعضاً حوله، وأن نقول أنَّه اجتهاد يصيب عليه المرء أو يخطئ، بل إن من يقوم به لا يعطي لذلك أي اعتبار، فهو يوالي أعداء الدين ليعينهم على منكرهم في قتلهم للفلسطينيين وتقويتهم بالمال والنفط.،إنَّ المبررين لهذه الخطيئة يعلمون علم اليقين خطأ رأيهم، كما هو حال من حولهم، لن يغيّر في أذهان أمتنا أن الكيان الصهيوني هو عدوها الأول، وأنَّه سبب مصائبها، وأنَّ قضية تحرير فلسطين هي قضية أمة بأكملها وليست حكراً على الفلسطينيين .