مقالات مختارة
لو كان الحكواتي لا يزال حياً، وكانت مجالسه قائمة في بيروت، لكانت لديه مادة دسمة، يرويها لسنوات طويلة على طريقته المشوّقة الخاصة التي تعوّد عليها مستمعوه، الذين كان يبهرهم بأسلوبه المشوّق، وطريقة أدائه المحبّبة ورواياته المثيرة بكامل تفاصيلها، وإنْ أضاف من عندياته الكثير الكثير. وهل هناك من مادة دسمة درامية للحكواتي، أفضل من قصة المحكمة الدولية التي حققت بجريمة التفجير الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري والعديد من الضحايا؟!
ترى كم كان الحكواتي سيحتاج من الوقت الطويل، من الأيام والأشهر والسنين، والعقود، ليروي لمستمعيه في مجالسه مطالعة المحكمة الدولية، وهي التي ظلت لأكثر من عشر سنوات تستمع، وتحقق، وتنصت، وتبحث، وتدقق، وتستنطق، وتستدعي، وتستدلّ، تبحث عن الشهود والبراهين، والأدلة، والوسائل، ومعرفة المشبوهين، والمتورّطين، والمتهمين والضالعين في الجريمة من قريب أو بعيد!
مادة دسمة، ومطالعة تجذب الفضول للاستماع الى أحداث طويلة، يرويها قضاة، كلّ بدوره. لكن الحكواتي بإمكانه لوحده، ان يرويها على مراحل، وان استغرقت سنوات. فهذا ما يثلج صدره وصدر المستمعين.
الا انّ المستمعين للحكواتي لن يدفعوا في نهاية القصة إكرامية له بعد طول عنائه، مثل ما دفعه لبنان على المحكمة الدولية من نفقات وصلت حتى الآن الى 800 مليار دولار، والسخاء اللبناني، والتحقيق الدولي لا يزال مستمراً!
لا بدّ للحكواتي من ان يضيف الى مطالعة المحكمة الدولية في حكمها، الأحكام المسبقة التي أطلقها كلّ الأوغاد المنافقين السفلة الأنذال على مدار خمسة عشر عاماً، منذ اغتيال الشهيد، المشبعين بالحقد والكراهية والكذب، والافتراء، والتحامل، والجهل، والتعصب، والعمالة، والحقارة، والسفاهة، وكلّ الذين تحاملوا واتهموا سورية، والمقاومة ورمزها وسيدها، وحمّلوا حزبه مسؤولية الجريمة.
جاء قرار المحكمة ليخرس كلّ المنافقين الكذابين المتخاذلين القذرين، الذين تصدّروا شاشات التلفزة، والذين لم يكفوا عن بث سمومهم، وكراهيتهم، وسفالتهم، وأحكامهم الظالمة المسبقة، واتهاماتهم الخبيثة المضللة التي زرعت الفتنة، على مدار سنوات، وعمّقت الشرخ بين اللبنانيين.
فهل من يرتدع؟! وهل من يتعظ؟!
د. عدنان منصور ـ البناء
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً