ظاهرة العُنُوسة .. خطورتها ـ أسبابها ـ علاجها

الثلاثاء 21 تموز , 2020 01:49 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات

 

ظاهرة العُنُوسة

خطورتها - أسبابها - علاجها

 

الأسرة أساس المجتمع، وبقدر ما تكون الأسرة مترابطة قوية مثالية بقدر ما يكون المجتمع قوياً مثالياً مترابطاً، والزواج هو الوسيلة المثلى لبناء مجتمع مثالي مستقر، والأسرة تكون عن طريق الزواج، الذي يشبع الحاجات النفسية والجسدية للأفراد، ويقمع الانحراف والشذوذ، ويحقق الحياة الوادعة، ويوفر الهدوء والاستقرار، قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} (21) سورة الروم.

لاشك أنَّ مجتمعاتنا العربية بها الكثير من الظواهر الحياتية وكلُّ ظاهرة بها مميزات وعيوب ولها وعليها، ومن ضمن تلك الظواهر ظاهرة العنوسة، والعنوسة كتعريف عام ومحل اتفاق هو لفظ يطلق على الفتيات والشباب الذين تجاوزوا سن الزواج طبقاًلأعراف كل بلد، فضلاً عن خصائصه الاجتماعية، وهو أمر نسبي يتفاوت بين المجتمعات الريفية والقروية، فقد يبدأ عند البعض من سن الرابعة والعشرين مثلاً وفي مجتمعات أخرى أعلى من ذلك بقليل، وهو إجمالاً مرتبط بما تعارف عليه المجتمع.

 

أولاً: أهم أسباب ظاهرة العنوسة

1- الوضع الاقتصادي

لعل من أهم أسباب هذه الظاهرة هو الوضع الاقتصادي، وتلك طامة كبرى ومأساة حقيقية، وعلى المستوى الشخصي وعبر حوارات كبيرة وممتدة مع الكثير من الشباب وبمجرد بدء إشارات في أمر الزواج يكون الرد "من أين؟؟" وهو ترجمة لحالة فقر أو إن شئت فقل ظروف ضيقة ويد ضعيفة ودخل محدود.

ثم مطلوب من هذا الشاب أن يأت بشقة وأثاث ومتاع فضلاً عن قسوة المجتمع وتشدد أهل الفتيات وتلك طامة أخرى، فإذا كنا ننادي بالترشيد، فالكثير قد ينادي ولايرشد بل تجده عند زواج إحدى بناته يتشدد ويطلب ما يفوق قدرة الشاب الطامح للعفاف والعفة، بل يتمادى ويضرب الأمثلة بالأقارب والأقران، وعليه فليضع كل منا نفسه في موضع هذا الشاب الذي شاب قبل مشيبه من كثرة الأعباء ومساعدة الأهل.

2- أزمة الأخلاق

بوضوح شديد وفي ظل الثورة المعلوماتية والتقنية والتطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي فقد أصبح الكثير من الشباب والفتيات يفكرون في الارتباط بشكل تقني، وظهرت مسميات كزواج الأون لاين، والتعايش، ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان! وكلها نتيجة طبيعية لانحراف بوصلة القلب عن مراد الله والاغترار بالثقافة الغربية، وماتحمله من فساد وإفساد صاحب كل هذا موجة إلحادية قوية، تدعو للحياة والتمتع بها بلا قيود أخلاقية أو عقائدية كما يقولون، وعليه فإن البيت يتحمل جزءاً كبيراً من هذه الأمر، فالتأسيس هنا واجب ومن شب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء عاش عليه، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه ولذلك فلا مجال للتخلي عن المسئولية الأخلاقية والتربوية للوالدين، فهما هنا عمود الخيمة ورمانة ميزان الحياة لأولادهم فعلى كل أب وأم أن يقوما بدورهما في تأسيس وعي أخ مبالغة الفتاة في صفات الزوج ترسم الكثير من الفتيات مواصفات خيالية لزوجها المستقبلي، مما يجعلها ترفض جميع المتقدمين لها، وأرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة التي يجب على المرأة أن تختار فيها زوجها، حيث قال: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فانكحوه إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فانكحوه، قالها ثَلَاثَ مَرَّات" [وراه الترمذي].

 3- عضل الأولياء يلجأ بعض الأهل لمنع ابنتهم من الزواج

من رجل كفء ترغب في الزواج منه، كما يرغب هو في ذلك، وذلك لعدة أسباب؛ معظمها أسباب مادية كطمعهم في الحصول على مهر أعلى عند زواجها من شخص آخر، أو حتى لا تنقطع مكاسبهم المادية التي يحصلون عليها من وراء عملها، وهذا مما حرمته الشريعة الإسلامية وجعلت للمرأة الحق في اللجوء للقضاء لإتمام الزواج.

4- هجرة الشباب والزواج من الأجنبيات

يلجأ الكثير من الشباب إلى الهجرة إلى الخارج للبحث عن عمل أو للتعليم، مما يدفعهم إلى الاستقرار في البلاد الأجنبية والزواج من فتيات أجنبيات، نظراً لقلة تكاليف الزواج منهن، أو لأهداف أخرى مثل الحصول على جنسية الدولة التي يتزوج فيها.

ثانياً: خطورة وآثار العنوسة



وأمام هذا التعدد والتنوع في الأسباب التي أفضت إلى هذه المشكلة الخطيرة، فقد أفرزت هذه المشكلة العديد من الآثار التي تهدد المجتمع الإسلامي، وتؤثر في تماسكه، وتظهر خطورة العنوسة على عدة مستويات:

1- خطر العنوسة على الفتاة والشاب

الإصابة بالعديد من الآلام النفسية، والحزن والاكتئاب، والنفور من الناس خشية السخرية والتلميح الجارح، وهذا قد يترتب عليه العديد من الآلام العضوية، والأخطر الانحراف عن الطريق السوي التماساً للسكن والعاطفة.

2- خطورة العنوسة على الأسرة

تحدث العنوسة آثاراً نفسيةً سيئةً على كل أسرة فيها تأخر سن تزوج ابنائها، حيث يشعر أفرادها بالهم والغم، بل الخزي والعار في بعض المجتمعات الجاهلة، حيث الخوف من نظرات الناس وتفسيرها بغير معناها واعتبارها نوعاً من الاتهام لهم وللأبنائهم، مما يؤثر بصورة سلبية على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.

3- خطورة العنوسة على المجتمع

حيث يؤدي انتشار ظاهرة العنوسة لأخطار شديدة على المجتمعات، إذ يحدث التفكك والتحلل في المجتمع، وتنتشر الأحقاد والضغائن بين أفراده، كما ينتشر الفساد والرذائل والانحرافات، التي ربما يندفع إليها أبنائنا في ظل الدوافع النفسية التي يعانين منها، كما تنبت وترعرع في ظل مشكلة العنوسة بعض العادات الجاهلية، كالسحر والدجل والشعوذة، ظناً من البعض أن هذا سؤدي إلى زواج أبنائهم.


ثالثاً: هل تعدد الزوجات حل لمشكلة العنوسة؟

الواقع يقول أنَّ التعدد لا يصلح لكلِّ الناس ولكنه يصلح لفئة بعينها القادرة على العدل والتي تؤتمن على الدين والعرض، والذي يستطيع الباءة ولديه المقدرة على أن يعطي لكل واحدة حقها في المأكل والمسكن والمضجع أو الفراش، فالتعدد ليس هو حل العنوسة فالتعدد حل لمشكلة استثنائية والتعدد في الإسلام له ضوابط محددة ذكرها الله، لذلك على كل الآباء والأبناء بذل جهد ضخم لتيسير الزواج؛ ولتكن الدعوة لبساطة الأفراح والبيوت عملية نفخر بها أمام الجميع بتكلفة زواجنا البسيطة بوصفها أحد محكمات الالتزام والتدين، وإذا كانت هذه البساطة هي سنة نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم فإنَّ تجديد هذه السنة في عصرنا هذا أصبح مؤكداً، لأنَّها وسيلة فعالة لمنع شر قد يدمر منظومتنا القيمة.
 


رابعاً: حل مشكلة العنوسة



- الحث على الاعتدال والوسطية في كل شيء ومن ذلك المهور، فلا تكون فوق الطاقة، ويُراعَى الحرص على الخلق والدين قبل المال عند اختيار الزوج المناسب، فإذا توفر الخلق النبيل والحرص على الدين، فهذا هو الفوز والمغنم.
- العمل على تحقيق التنمية في الدول الإسلامية، بما يرفع من أحوال المعيشة، لتسهيل فرص المعيشة الكريمة وبناء أسر جديدة بالزواج.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل