الثبات - إسلاميات
شرح أسماء الله الحسنى
اسم الله "القابض"
قَالَ الزَّجَّاجِيُّ: "(القَابِضُ) اسْمُ الفَاعِلِ مِنْ قَبَضَ فَهُوَ قَابِضٌ، والمَفْعُولُ مَقْبَوضٌ، وذَلِكَ عَلَى ضُرُوبٍ.
قال عز وجل ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ [البقرة: 245]، فَقَالُوا: تَأْوِيلُه: يُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، ويَتَوَسَّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى مِنَ المَصْلَحَةِ لِعِبَادِهِ، فَالقَبْضُ هَاهُنَا: التَّقْتِيرُ والتَّضْيِيقُ.
والقَابِضُ سُبْحَانَه هُوَ الذِي يُمْسِكُ الرِّزْقَ وغَيْرَه مِنَ الأَشْيَاءِ عَنِ العبَادِ بِلُطْفِهِ وحِكْمَتِهِ، ويَقبضُ الأَرْواحَ عِنْدَ المَمَاتِ بِأَمْرِهُ وقُدرَتِهِ، ويُضيِّقُ الأسْبَابَ عَلَى قَوْمٍ ويُوَسِّعُ عَلَى آخَرِينَ ابْتِلاءً وامْتِحَاناً.
وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَنسٍ رضي الله عنه، قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، لَوْ سَعَّرْتَ، فَقَالَ: "إنَّ اللهَ هُوَ الخَالِقُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ المُسَعِّرُ، وإنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ ولا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُها إياهُ فِي دَمٍ ولَا مَالٍ".
وَقْد وَرَدَتْ الكلمة فِعلاً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245] ،وَفِي أَحَادِيثَ كَثيرَةٍ، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ، لِيتَوُبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوب".َ
آثار الإيمان باسم الله القابض
1-أن يوقن العبد الذي حُرم شيئاً من الدنيا، ولم يقدر له مع السعي في تحصيله أنَّ اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، فكم عطاء كان سبباً للشقاء، فلعلَّ الله حرمه لتصفو نفسه لمولاه وتقر عينه بربّه كما كان نبيه عليه الصلاة والسلام الذي جعلت قرة عينه في صلاته، فلا يجد العبد لذة في سوى مرضاة الله، ولا تجد نفسه سعادة ولا نعيماً ولا سروراً إلا بالقيام بعبوديته سبحانه.
2- أنَّه إذا كان هذا حال أولياء الله في دنياهم، وقد أعطى أعداءه من البسط في دنياهم ما لا يوصف علم حقارة الدنيا وهوانها على الله وتكشفت له على حقيقتها.
3-أن يعلم أنَّ الله يربي عبده على السراء والضراء والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال، فإنَّ العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال، وأمَّا عبد السراء والعافية الذي يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأنَّ به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته، فلا ريب أنَّ الإيمان الذي يثبت على محل الابتلاء والعافية هو الإيمان النافع وقت الحاجة، وأمَّا إيمان العافية، فلا يكاد يصحب العبد ويبلغه منازل المؤمنين وإنَّما يصحبه إيمان يثبت على البلاء والعافية.
4-حسن التوكل على الله عز وجل من آثار الإيمان بتوحيده في اسمه القابض، وسبب في الفرج وسعة الرزق، فكلُّ ما يناله العبد من الخير والعطاء، فهو رزقه في سابق القضاء، وما كتب له في اللوح سيصله بالتمام، والمكتوب أزلاً لن يكون لغيره من الخلق أبداً، ومن ثمَّ يصبر عند البلاء ويشكر عند الرخاء، روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تعالى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلاَّ الْجَنَّةُ".
5-أن يوقن أنَّ الذي أعطى غيره لا يعجزه أن يعطيه مثلهم، ولا يمتنع عليه ذلك كيف لا وهو الذي بيده سبحانه الملك كله، وعلى العبد أن يسعى في دفع الفقر عنه، وليبشر ببشارة النبي وليحذر من فتنة الدنيا، فليس الفقر هو الذي يخشى على العبد منه، ولكنما يخاف العبد من زينة الدنيا؛ روى لنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْهُ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ".
قال إبراهيم بن أدهم: "طلبنا الفقر فاستقبلنا الغنى، وطلب الناس الغنى فاستقبلهم الفقر".
6-أن يثني على ربه في عطائه ومنعه فالعطاء والمنع من موجبات حمده.