الثبات - مقالات
مقام القرب من الله وفضله
العلامة المحدث عبدالله سراج الدين
قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}
أشرف المقامات المقصودة بالذات هو مقام القرب من حضرة الرب جلَّ وعلا، ذي الجلال والإكرام، والطَّول والإنعام، والقرب هو على مراتب متفاوتة ومتعددة، حسب رتبة المقرَّب، ومن ثَمَّ وصف الله تعالى ملائكته تشريفاً لهم فقال: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً}.
ووصف الله تعالى أنبياءه ورسله المكرمين تفضيلاً وتشريفاً لهم فقال في عيسى ابن مريم عليها السلام: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أي: من الأنبياء والمرسلين المقربين قرب النبوة والرسالة.
وإنَّ أقرب المقربين وإمام المتقربين من الأنبياء والمرسلين هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم صاحب مقام الوسيلة التي هي أفضل المنازل وأعلاها، وأرفع المراتب وأسماها، وجميع المنازل والمراتب فهي دونها.
وبيَّن ربنا تبارك وتعالى أنَّ كُمَّل عباده وخواصَّهم الذين يبذلون جهودهم ويحرصون كلَّ الحرص على مقام القرب ويتسارعون أيَّهم أقرب، فقال سبحانه: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً}.
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".
ففي هذا الحديث القدسي ترغيبات وبشارات، وتنبيهات للمسلم، وذلك بأن يدخل في باب العبادات وهو محسن الظن بالله تعالى، فإنَّ حُسن الظنِّ بالله تعالى من العبادة، فالله عندك ظنك به، فادخل في الذكر وسائر العبادات والقربات وأنت حَسنَ الظنِّ بالله تعالى، بأن يتقبل منك عملك، ويؤجرك عليه، لأنَّه ذو الفضل العظيم وإن كنت أنتَ في تقصير كبير، فترجو منه قبول العمل، لا لإخلاصك في عملك وصدقك به، بل لأنَّه هو الله الكريم، ذو الفضل العظيم، الغفور الرحيم.
وإنَّ أقرب المقربين إلى رب ِّ العالمين هو إمام الأنبياء والمرسلين، وأفضل خلق الله أجمعين هو سيدنا وحبيبنا وشفيعنا، وروح أرواحنا، وقرة أعيننا سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، صاحب مقام قاب قوسين أو أدنى، وصاحب مقام الوسيلة وهي منزلة القربة التي ليس فوقها منزلة، بل هي أعلى المنازل، وأشرف المقامات، وأرفع المراتب، وأكرم المناصب، فهو صلى الله عليه وآله وسلم الشفيع في الخلق أجمعين، ولا شفيع له، وهو الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى للعالمين ولا واسطة له، وهو إمام لكل ولا إمام له، وهو صاحب القول المسموع في يوم الجموع، وكلهم عن الكلام ممنوع، يقول الله تعالى له: "يا محمد ارفع رأسك، وقل: يسمع لكَ وسَلْ تعطه، واشفع تشفع".
صلى الله عليه وآله وسلم صلاةً وسلاماً دائمين بدوام ملك الله العظيم، وعلينا معهم أجمعين.