الثبات - مقالات
حوارات مع سماحة الشيخ أحمد كفتارو
الفهم الصحيح للإسلام
واقع المسلمين في أكثر جوانبه ينتابه الضعف والتقصير، وبخاصة في ميدان العلوم والتقدم الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي، وهذا الأمر لا يخفى على كثير من المسلمين، والسبب في ذلك يرجع إلى فهمنا لحقيقة الإسلام وأهدافه ومقاصده، وكذلك إلى ضعف الإيمان عموماً، ذلك الإيمان الذي يُنتج ويُولد العمل، والإيمان إذا لم ينعكس في حياة المؤمن إلى عمل فهو أماني وحديثُ نفس، قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}.
إنَّ المسلمين الأوائل لما فهموا الإسلام بحقيقته، مع أنهم أُميّون استطاعوا بأفصر المدد وأبسط الأساليب أن يحققوا نهضة عربية إسلامية شاملة بالإيمان وفهم الإسلام تحولوا من قبائل متنافرة متناحرة إلى عباقرة أنشئوا أعظم أُمة عالمية، وحّدت إلى جانبها عشرات الأُمم الأُخرى على اختلاف القوميات واللغات، وصهروها في بوتقة واحدة ليكونوا خير أُمة أُخرجت للناس، أُمة عالمية قائمة على قواعد حضارية أوجدها الإيمان الحقيقي والفهم الصحيح للإسلام.
فمن تلك القواعد فرضية التعليم، فعلى العالم أن يُعلِم وعلى الجاهل أن يتعلم بغير اختيار والتعليم مجاني ولا يحده زمان، فهو من المهد إلى اللحد، ولا يحده مكان.
ومن تلك القواعد العمل بالحكمة والحكمة هي الإصابة في القول والعمل، ومن تلك القواعد التزكية والتربية، أي تخليص النفس البشرية من رذائلها وتحليتها بالفضائل، فلا حسد ولا غرور ولا تكبر، بل أصبحوا فقهاء أدباء كادوا أن يكونوا أنبياء، فالإسلام عندما استقبله العرب بإيمان قلبي صادق عميق، وفهموه فهماً صحيحاً بجوهره وحقيقته، بلغوا هذه المكانة العالية، وبنوا أعظم دولةٍ في التاريخ، دولةٌ انصهر الجميع فيها في قومية واحدة، هي قومية العلم لا قومية الأرض واللغة، قومية العقل الحكيم، ثومية مكارم الأخلاق، تحت راية قوله عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".