الثبات - إسلاميات
حدث في 26 رمضان
غزوة تبوك - معركة حطين
غزوة تبوك
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ التحرك بالجيش الإسلامى نحو تبوك يوم الخميس قبل منتصف شهر رجب سنة 9هـ، حيث وصل إلى تبوك فى شعبان سنة 9هـ وأقام فيها مدة عشرين يومًا ولم يلاق حشود الروم الذين جبنوا عن التقدم للقاء الجيش الإسلامى. فظل الرسول صلى الله عليه وسلم مدة إقامته يعقد معاهدات مع أمراء المناطق وقبائلها، وأرسل سرية بقيادة خالد بن الوليد رضى الله عنه إلى دومة الجندل فأسرت أكيدر ملك دومة الجندل وقدم به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليعاهده.
وحققت الغزوة أهدافها سواء من تحدى الروم وإظهار جبنهم وإثارة الرعب فى القبائل التى تساعد الروم، ثم -وهو الأهم- إعلان ظهور دولة الإسلام كدولة قوية تستطيع تحدى الروم ومهاجمة أراضيهم. عاد الرسول صلى الله عليه وسلم بالجيش الإسلامى قافلاً نحو المدينة حيث وصلها فى شهر رمضان سنة 9هـ.
فى مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك لعام 12هـ للعام الميلادى 633، كتب أبو عبيدة بن الجرّاح{رضى الله عنه} أحد قادة جيوش المسلمين بالشام إلى الخليفة أبى بكر الصدّيق {رضى الله عنه} يقول: { بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فالحمدُ لله الذى أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالإيمان. وهدانا لما إختلف المختلفون فيه بإذنه، يهدى من بشاء إلى صراط مستقيم، وإن عيونى من أنباط الشام أخبرونى أن أوئل أمداد ملك الروم قد وقعوا عليه، وأن أهل الشام بعثوا رسلهم إليه يستمدونه، وأنه كتب إليهم أن أهل مدينة من مدائنكم أكثر ممن قدم عليكم من العرب، فانهضوا إليهم فقااتلوهم فإن مددى يأتيكم من ورائكم، فهذا ما بلغنى عنهم وأنفس المسلمين ليّنة بقتالهم، وأخبرونا أنهم قد تهيأوا لقتالنا، فانزل الله على المؤمنينن نصره وعلى المشركين رجزه إنه بما يعملون عليم، والسلام}.
معركة حطين
فى مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك لعام 584هـ للعام الميلادى 1188، كانت موقعة حطين الشهيرة بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبى، والتى أنهت الوجود الصليبى فى المشرق.
عبّأ صلاح الدين قواه واستعد لمنازلة الصليبيين وخوض معركة الجهاد الكبرى التى ظل يعد لها عشر سنوات منتظرا الفرصة المواتية لإقدامه على مثل هذا العمل، ولم تكن سياسة أرناط الرعناء سوى سبب ظاهرى لإشعال حماس صلاح الدين، وإعلان الحرب على الصليبيين. غادرت قوات صلاح الدين التى تجمعت من مصر وحلب والجزيرة وديار بكر مدينة دمشق فى المحرم (583هـ = مارس 1187م) واتجهت إلى حصن الكرك فحاصرته ودمرت زروعه، ثم اتجهت إلى الشوبك، ففعلت به مثل ذلك، ثم قصدت بانياس بالقرب من طبرية لمراقبة الموقف. وفى أثناء ذلك تجمعت القوات الصليبية تحت قيادة ملك بيت المقدس فى مدينة صفورية، وانضمت إليها قوات ريموند الثالث أمير طرابلس، ناقضا الهدنة التى كانت تربطه بصلاح الدين، مفضلا مناصرة قومه، على الرغم من الخصومة المتأججة بينه وبين ملك بيت المقدس.
كان صلاح الدين يرغب فى إجبار الصليبيين على المسير إليه، ليلقاهم وهم متعبون فى الوقت الذى يكون هو فيه مدخرًا قواه، وجهد رجاله، ولم يكن من وسيلة لتحقيق هذا سوى مهاجمة طبرية، حيث كانت تحتمى بقلعتها زوجة ريموند الثالث، فثارت ثائرة الصليبيين وعقدوا مجلسًا لبحث الأمر، وافترق الحاضرون إلى فريقين: أحدهما يرى ضرورة الزحف إلى طبرية لضرب صلاح الدين، على حين يرى الفريق الآخر خطورة هذا العمل لصعوبة الطريق وقلة الماء، وكان يتزعم هذا الرأى ريموند الثالث الذى كانت زوجته تحت الحصار، لكن أرناط اتهم ريموند بالجبن والخوف من لقاء المسلمين، وحمل الملك على الاقتناع بضرورة الزحف على طبرية.
بدأت القوات الصليبية الزحف فى ظروف بالغة الصعوبة فى (21 من ربيع الآخر 583هـ = 1 من يوليو 1187م) تلفح وجوهها حرارة الشمس، وتعانى قلة الماء ووعورة الطريق الذى يبلغ طوله نحو 27 كيلومترا، فى الوقت الذى كان ينعم فيه صلاح الدين وجنوده بالماء الوفير والظل المديد، مدخرين قواهم لساعة الفصل، وعندما سمع صلاح الدين بشروع الصليبيين فى الزحف، تقدم بجنده نحو تسعة كيلومترات، ورابط غربى طبرية عند قرية حطين. أدرك الصليبيون سطح جبل طبرية المشرف على سهل حطين فى (23 من ربيع الآخر 583هـ = 3 من يوليو 1187م) وهى منطقة على شكل هضبة ترتفع عن سطح البحر أكثر من 300 متر، ولها قمتان تشبهان القرنين، وهو ما جعل العرب يطلقون عليها اسم "قرون حطين". وقد حرص صلاح الدين على أن يحول بين الصليبيين والوصول إلى الماء فى الوقت الذى اشتد فيه ظمؤهم، كما أشعل المسلمون النار فى الأعشاب والأشواك التى تغطى الهضبة، وكانت الريح على الصليبيين فحملت حر النار والدخان إليهم، فقضى الصليبيون ليلة سيئة يعانون العطش والإنهاك، وهم يسمعون تكبيرات المسلمين وتهليلهم الذى يقطع سكون الليل، ويهز أرجاء المكان، ويثير الفزع فى قلوبهم.
وعندما أشرقت شمس يوم السبت الموافق (24 من ربيع الآخر 583هـ = 4 من يوليو 1187م) اكتشف الصليبيون أن صلاح الدين استغل ستر الليل ليضرب نطاقا حولهم، وبدأ صلاح الدين هجومه الكاسح، وعملت سيوف جنوده فى الصليبيين، فاختلت صفوفهم، وحاولت البقية الباقية أن تحتمى بجبل حطين، فأحاط بهم المسلمون، وكلما تراجعوا إلى قمة الجبل، شدد المسلمون عليهم، حتى بقى منهم ملك بيت المقدس ومعه مائة وخمسون من الفرسان، فسيق إلى خيمة صلاح الدين، ومعه أرناط صاحب حصن الكرك وغيره من أكابر الصليبيين، فاستقبلهم صلاح الدين أحسن استقبال، وأمر لهم بالماء المثلّج، ولم يعط أرناط، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقّى منه إلى أرناط، فغضب صلاح الدين وقال: "إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذنى فينال أماني"، ثم كلمه وذكّره بجرائمه وقرّعه بذنوبه، ثم قام إليه فضرب عنقه، وقال: "كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدرًا".
لم تكن هزيمة الصليبين فى حطين هزيمة طبيعية، وإنما كانت كارثة حلت بهم؛ حيث فقدوا زهرة فرسانهم، وقُتلت منهم أعداد هائلة، ووقع فى الأسر مثلها، حتى قيل: إن من شاهد القتلى قال: ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال: ما هناك قتيل. وغدت فلسطين عقب حطين فى متناول قبضة صلاح الدين، فشرع يفتح البلاد والمدن والثغور الصليبية واحدة بعد الأخرى، حتى توج جهوده بتحرير بيت المقدس فى (27 من رجب 583هـ = 12 من أكتوبر 1187م) ولهذا الفتح العظيم حديث آخر.