الثبات - إسلاميات
دروس رمضان
(الرحمة)
ما أعظم شهر الصيام الذي يجعل الغنيَّ يشعر بالفقير! والقويَّ يرحم الضعيف!، فالصيام تركٌ لشهوات النفس، وشعورٌ بألم الجوع والعطش؛ وما ذلك إلا لتربية المسلم علىٰ الرحمة واللين مع الآخرين، وتذكيره بالمحتاجين؛ حتىٰ يكون المجتمع كله كالجسد الواحد كما أخبر سيدُنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: "تَرَىٰ المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَىٰ عُضْوًا تَدَاعَىٰ لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّىٰ" [متفق عليه].
والرحمة خلق نبويٌّ كريم، ومطلب إلهيٌّ من المؤمنين.، قال تعالىٰ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
والرحمة في الإسلام عامة وشاملة، تشمل الناس أجمعين، بل وتشمل كل كائن حي؛ من الحيوان والطير والزرع، وأدلة ذلك لا تخفىٰ علىٰ أحد.
ونختم الكلام بهذه الجُمَل الرائعة للعلامة الأديب مصطفىٰ صادق الرافعي؛ حيث قال: «من قواعد النفس أن الرحمة تنشأ من الألم، وهذا بعض السر الاجتماعي العظيم في الصوم، إذ يبالغ أشد المبالغة، ويدقق كل التدقيق، في منع الغذاء شبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدة آخرها آخر الطاقة؛ فهذه طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس»
ويقول: «ومتىٰ تحققت رحمة الجائع الغني للجائع الفقير، أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ، وحكم الوازع النفسي علىٰ المادة؛ فيسمع الغني في ضميره صوت الفقير يقول: "أعطني" ثم لا يسمع منه طلبًا من الرجاء، بل طلبًا من الأمر لا مفر من تلبيته والاستجابة لمعانيه، كما يواسي المبتلىٰ من كان في مثل بلائه». [وحي القلم (2/ 58)].
نسأل الله تعالى أن يتقبل صيامنا وقيامنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصَلَّىٰ اللهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُـحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَـحْـبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ.