أحكام رمضان .. ما حكم صوم (مريض الزهايمر) الذي ينسى فيأكل أو يشرب ناسياً في نهار رمضان؟

الجمعة 08 أيار , 2020 02:15 توقيت بيروت رمضان 1442 هـ / 2021 م

الثبات - علوم إسلامية 

 

أحكام رمضان

ما حكم صوم (مريض الزهايمر) الذي ينسى فيأكل أو يشرب ناسياً في نهار رمضان؟

 

مرض «الزهايمر» داءٌ يصيب العقل، وله أعراضٌ ومراحل؛ تبدأ بالنسيان وتناقصٍ في الذاكرة، وتنتهي بفقدان الذاكرة كلّيّةً، وقد جاء ذكرُ قريبٍ من هذا في النصوص الشرعية؛ فقال تعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [النحل: 70].

قال الإمامُ الفخر الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (20/ 239، ط. دار إحياء التراث العربي): [وهو إشارة إلى مراتب عمر الإنسان، والعقلاء ضبطوها في أربع مراتب: أولها: سن النشوء والنماء. وثانيها: سن الوقوف وهو سن الشباب. وثالثها: سن الانحطاط القليل وهو سن الكهولة. ورابعها: سن الانحطاط الكبير وهو سن الشيخوخة] اهـ.

وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن أنْ يُردَّ إلى أرذل العمر؛ فقد روى الإمام البخاري في "صحيحه" عن عبد الملك بن عمير، سمعتُ عمرو بن ميمون الأودي قال: كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ". فحدثت به مصعباً فصدقه.

قال العلامة البدر العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (14/ 119، ط. دار إحياء التراث العربي): [(أرذل الْعُمر): هُوَ الخرف، يَعْنِي: يعود كَهَيْئَته الأولى فِي أَوَان الطفولية، ضَعِيف البنية سخيف الْعقل قَلِيل الْفَهم، وَيُقَال: أرذل الْعُمر: أردؤه، وَهُوَ حَالَة الْهَرم والضعف عَن أَدَاء الْفَرَائِض، وَعَن خدمَة نَفسه فِيمَا يتنظف فِيهِ فَيكون كَلًّا على أَهله ثقيلاً بَينهم، يتمنون مَوته فَإِن لم يكن لَهُ أهل فالمصيبة أعظم] اهـ.

وقال الإمام الـمُناوي في "فيض القدير" (2/ 124، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(أرذل العمر): آخره في حال الهرم والخرف والعجز والضعف وذهاب العقل، والأرذل من كل شيء الرديء منه] اهـ.

إذن فأرذل العمر هو الهرم والخرف، والفرق بين الخرف والجنون؛ كما يقول الإمام السبكي فيما ينقله عنه الإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: 212-213، ط. دار الكتب العلمية): [أن الخرف عبارة عن اختلاط العقل بالكبر، ولا يسمى جنوناً؛ فالجنون يعرض من أمراض سوداوية ويقبل العلاج، والخرف خلاف ذلك، ويظهر أن الخرف رتبة بين الإغماء والجنون، وهي إلى الإغماء أقرب] اهـ بتصرف.

والمختار للفتوى أن من أكل أو شرب ناسياً في نهار رمضان فلا قضاء عليه ولا كفارة وصيامه صحيح؛ وذلك لِما روي في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ".

وفي رواية أخرى للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أَكَلَ نَاسِياً وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ".

وروى ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" والدارقطني في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ أفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِياً فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلا كَفَّارَةَ".

قال الإمام النووي في "المجموع" (6/ 324، ط. دار الفكر) عن إسناد هذا الحديث: [صحيح أو حسن] اهـ.

وهذا هو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، فإذا كان الشرع لم يحكم بإبطال صيام من أكل أو شرب ناسياً من الأصحاء، فإنَّه لا يحكم بإبطال صيام من فعل ذلك من مرضى النسيان من باب أولى. كما أنَّ مريض (الزهايمر) الذي ينسى فيأكل أو يشرب في نهار رمضان داخل في حكم الناسي؛ لعموم الأخبار السابقة، ولأنَّ النسيان المذكور فيها هو مطلق النسيان، فيصدق على مريض (ألزهايمر) كما يصدق على غيره، حتى ولو كان مريض الزهايمر صورة نادرة، وهي التي يُراد بها: ما لا يخطر غالباً ببال المتكلم؛ لندرة وقوعه -راجع: "نشر البنود" لسيدي عبد الله بن الحاج العلوي المالكي (1/ 208، ط. دار الكتب العلمية)-؛ لأنَّ الصورة النادرة تدخل في العموم، وذلك على ما اختاره ابن السبكي في "جمع الجوامع مع شرح المحلي" و"حاشية العطار" (1/ 507، ط. دار الكتب العلمية).

فبناءً على ما سبق: فمريض (ألزهايمر) إذا أكل أو شرب ناسياً في نهار رمضان فصيامه صحيحٌ، ولا قضاء عليه ولا كفارة.

 

المصدر: دار الإفتاء المصرية


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل