الثبات - مقالات فكرية
عادات الكرام في رمضان
الشيخ الطبيب محمد خير الشعال
رأس الكرام وأكرم خلق الله على الله وعلى العباد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريلُ في كل ليلة من رمضان، فيُدارسه القرآن، فَلَرَسولُ الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة".
وكان من عادته صلى الله عليه وسلم في رمضان أن يشتغل بالقرآن كما سمعتم يلقاه جبريل في كل ليلة فيدارسه فيه فلما كان آخر رمضان صامه صلى الله عليه وسلم وقبض بعده عارضه جبريل بالقرآن مرتين. أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان يعرض – أي جبريل- على النبي القرآن كُلَّ عامٍ مرة، فعُرِض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه".
وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعتكف كلَّ رمضانَ عشرَة أيَّامٍ، فلما كان العامُ الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين. كما أخرج ذلك البخاري عن أبي هريرة. يصلي في قيام رمضان ثمان ركعات فلا تسل عن طولهن وحسنهن، روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان يزيد في رمضانَ ولا في غيره على إِحدى عَشرَةَ ركعة، يُصلِّي أربعاً، فلا تسألْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولهنَّ، ثم يصلِّي أربعاً لا تسألْ عن حُسْنِهنَّ وطولهنَّ، ثم يُصلي ثلاثاً.
- وجاء من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كرام كثيرون يهتدون بهديه ويستنون بسنته في شد الهم للإقبال على الله تعالى في رمضان:
روى الإمام الذهبي في ترجمة حماد بن أبي سليمان الكوفي قال: كان حماد ذا دنيا متسعة، وكان يفطر في شهر رمضان خمس مائة إنسان، وكان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم.
وقال مرة: كان يفطر كل يوم في رمضان خمسين إنساناً، فإذا كان ليلة الفطر، كساهم ثوبا ثوباَ.
وعن الصلت بن بسطام، عن أبيه، قال: كان حماد بن أبي سليمان يزورني, فيقيم عندي سائر نهاره، فإذا أراد أن ينصرف، قال: انظر الذي تحت الوسادة, فمرهم ينتفعون به فأجد الدراهم الكثيرة.
- أما عاداتهم في قراءة القرآن والاشتغال به في رمضان فأمر عجيب: فقد روت كتب التراجم أن مَسْرُوقاً التابعي المفسر كان يَؤُمُّنَا في رمضان فيقرأ العنكبوت في ركعة. وسورة العنكبوت ثمان صحائف.
وروت عن الإمام ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق َكَانَ موَاظباً عَلَى صَلاَة الجَمَاعَة وَتِلاَوَة القُرْآن، يَخْتِم كُلّ جُمُعَة، وَيَخْتِم فِي رَمَضَانَ كُلّ يَوْم، وَيَعتكَفُ فِي المنَارَة الشَّرْقِيَّة، وَكَانَ كَثِيْرَ النَّوَافل وَالأَذكَار، وَيُحَاسِب نَفْسه عَلَى لحظَة تَذْهَب فِي غَيْر طَاعَة.
ذكر الشيخ الطنطاوي في ذكرياته أنه شهد في أندونيسيا عيداً يقيمه أهاليها ليلة السابع عشر من رمضان، ويسمّونه عيد نزول القرآن. يخرج فيه الناس بأبهى الثياب، وينتشرون في ساحات جاكرتا، ويؤمّ الرجال كلهم المصلّى.
- وأما عن العلم وطلبه وإنشاء مدارسه فقد شهد الجامع الأموي بدمشق عشرات السنين ومئاتها مجالس رمضانية من بعد العصر يقرأ فيها صَحِيح البُخَارِيّ. وذكروا عن جامع القرويين بفاس الذي أسسته أم البنين السيدة فاطمة بنت محمَّد القيرواني أنه كان الشروع فيه في رمضان سنة 245هـ.